دعا قائد حركة أنصار الله اليمنية السيد عبدالملك الحوثي، القيادة السورية إلى الانتقال إلى استراتيجية الردع للرد بكل قوة على اعتداءات العدو الإسرائيلي وردعه عن مواصلة اعتداءاته، وأمل السيد الحوثي في محاضرته الرمضانية أنْ "ينتقل الأشقاء في سوريا إلى استراتيجية الردع كي يعرف العدو الصهيوني أنه مقابل كل عدوان ينفذه في سوريا سيُضرب في الداخل". هذه الدعوة لتفعيل استراتيجية الردع السوري ضد الكيان الصهيوني الصادرة من موقع المُحب لسوريا وأحد أقطاب محور المقاومة، سبق لكاتب هذه السطور ومن نفس الموقع أن وجهها للقيادة السورية في ثلاثة مقالات سالفة لازال مضمونها صالحاً للاستدعاء لمعالجة حالة غياب الردع السوري لمواجهة الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على سوريا، من أجل إعادة التأكيد أنَّ الردع السوري سيفٌ آنَ لهُ أنْ يُشهر.

بعد اغتيال المناضل اللبناني سمير القنطار على الأرض السورية في شهر ديسمبر كانون الأول عام 2015م. كتبتُ مقالاً بعنوان "ماذا لو ردت سوريا على الغارة الإسرائيلية الأولى؟! " وكان الجواب على سؤال العنوان في محتوى المقال ومنه هذه الفقرة: "لو ردت سوريا على الغارة الإسرائيلية الأولى لما وصلت الأمور إلى آخر هذه الاعتداءات باغتيال سمير القنطار، وبالتأكيد لما تجرأ العدو على مواصلة هجماته المتكررة على سوريا... فهذا العدو لا يفهم إلاّ لغة القوة، ولا يردعه شيء عن جرائمه إلاّ بقوة ردع مُضادة... ولنا في المقاومة... أسوة حسنة حيث يخشى العدو من تنفيذ عمليات الاغتيال على أراضي غزة ولبنان في أوقات السلم تجنباً لرد فعل المقاومة... ولا زالت الفرصة موجودة أمام سوريا لردع العدوان مهما كان الثمن، لأنَّ البديل هو استمرار تلقي الضربات المُهينة إلى ما لا نهاية، ورحم الله القائل (عبدالرحمن الكواكبي): لو رأى الظالم على جنب المظلوم سيفاً لما أقدم على الظلم".

استمرت الاعتداءات الجوية الإسرائيلية على سوريا بعد اغتيال المناضل سمير القنطار بشكل متكرر، وبعد غارة إسرائيلية على منطقة وادي العيون بريف حماة أسفرت عن استشهاد وإصابة بعض السوريين في شهر سبتمبر أيلول عام 2018م، أعقبها بيان رسمي سوري آخره "سوريا تحتفظ بحق الرد في الزمان والمكان المناسبين"، كتبت مقالاً بعنوان: "كي لا تكون سوريا ملطشة لإسرائيل"، كانت هذه الفقرة الختامية فيه توضح الطريقة التي تخرج سوريا من هذه الحالة التي يكرهها كل محبي سوريا وأنا منهم: "كي لا تكون سوريا ملطشة لـ"إسرائيل" لا خيار أمامها سوى ترسيخ معادلة القصف بالقصف، قصف العمق السوري يُقابله قصف العمق الإسرائيلي، سيكون الثمن في البداية غالياً والتكلفة باهظة. ولكن من قال أنَّ ثمن عدم الرد... أقل من ثمن ترسيخ معادلة الردع وتثبيت توازن الرعب؟! ... وما لم تتبع سوريا سياسة القصف بالقصف، ستظل يد "إسرائيل" مُطلقة في تنفيذ الغارات... ولن يقطع اليد الطويلة للإرهاب الإسرائيلي سوى الرد بالمثل عليها، وهل يفل الحديد إلا الحديد؟!".

غياب الرد السوري على الاعتداءات الإسرائيلية تواصل ومعه غاب الردع السوري وازدادت الاعتداءات الإسرائيلية عدداً وخطراً، حتى استهدفت غارة إسرائيلية مطار دمشق الدولي وأخرجته من الخدمة لأسابيع طويلة في شهر يونيو حزيران عام 2022م الماضي، فكتبتُ مقالاً بعنوان: "الردع خير وسيلة للدفاع عن سوريا" ، ووضحت فكرة المقال داخله، ومما جاء فيه: "ضرورة الرد على العدوان الإسرائيلي المتكرر على سوريا العروبة والمقاومة هي ما يأمله كل محبي سوريا في محور المقاومة وأحرار العرب؛ لردع الكيان الصهيوني عن استباحة سوريا بهذه الطريقة المُهينة للكرامة العربية، وهذا الأمل قائم على الرغم من إدراك عمق الآثار المدمرة على سوريا الدولة والجيش للحرب الكونية على سوريا في العقد الأخير... في إطار الحرب على محور المقاومة الرافض للهيمنة الصهيوأمريكية على المنطقة... فلا خيار أمام سوريا إلاّ الرد العسكري المباشر على العدوان في إطار استراتيجية الردع للدفاع عن سوريا بهويتها العربية وبوصلتها الفلسطينية وروحها المقاومة".

مضمون دعوة السيد الحوثي لتفعيل استراتيجية الردع السورية، التي يدعو لها كل مُحبي سوريا، انطلاقاً من التجربة السابقة على مدار الصراع مع الكيان الصهيوني، الذي لا يردعه أي معايير أخلاقية أو حسابات سياسية، والرادع الوحيد الذي يفهمه ويحكمه هو الردع العسكري الذي يسبب له الخسارة لاسيما الخسارة البشرية، وهذه الخسارة لا يحتاج إيقاعها بالكيان تكافؤ عسكري أو توازن قوى، بل يحتاج إلى إرادة وطنية وقرار سياسي هدفهما إيقاف الاعتداءات الإسرائيلية، والاستعداد لدفع ثمن الإرادة والقرار، ثم استخدام السلاح الذي يؤذي الكيان الصهيوني في جبهته الداخلية كلما اعتدى الكيان الصهيوني على سوريا، وهذا الأمر لن يتكرر كثيراً، لأنَّ الكيان الصهيوني لن يطيق الخسائر المتكررة في جيشه أو مستوطنيه، وسيضطر مُرغماً وقف عدوانه المتكرر على سوريا.

صحيح أنَّ سوريا لا زالت تُعاني من آثار المؤامرة الصهيوأمريكية الكونية عليها، التي توزعت بين حرب أهلية، وغزو عسكري، وتفكك داخلي، وحصار اقتصادي... مما أنهك جيشها، واستنزف اقتصادها، وأضعف قوتها... ولكن الصحيح أيضاً أنَّ الكيان الصهيوني – رغم تفوّقه العسكري – يعيش مأزقه الوجودي بمؤشراته المختلفة، مثل: تفاقم التناقضات الداخلية، وتشظي البنية المجتمعية، والعجز عن تحقيق نصر عسكري واضح بعد حرب 1967م، والفشل في حسم معاركه ضد المقاومة لصالحه منذ الهروب من لبنان عام 2000م، وتآكل قوة الردع وتراجعها أمام المقاومتين اللبنانية والفلسطينية، وعدم تحمل الخسائر البشرية في جيشه ومستوطنيه... هذا المأزق الإسرائيلي يُشكّل مُعادلاً موضوعياً أمام أي نقاط ضعف عربية، ويعوّض الخلل في موازين القوى العسكرية، ويُشكل فرصة لترسيخ الردع السوري في مواجهة العدوان الصهيوني بشرط امتلاك إرادة الصمود والمقاومة حتى النصر والتحرير.

الردع السوري سيفٌ آنَ لهُ أنْ يُشهر؛ ليتعانق في سماء العزة والكرامة مع سيوف الردع المُشهرة لمحور المقاومة المكافح ضد الاستعمار الصهيوأمريكي في بلاد العرب والمسلمين، وليكن هذا الردع استراتيجية يلتزم بها كل المقاومين الأحرار في الأمة العربية والإسلامية، وصولاً إلى قطع يد الإرهاب الإسرائيلي الطويلة، ثمّ محاصرته في وضع الدفاع عن الوجود، حتى هزيمته وإساءة وجهه وإزالته من الوجود، ونحن في مرحلة أقرب ما نكون من تحقيق هذا الهدف الكبير وتحقيق النصر الحاسم الذي نراه قريباً بإذن الله.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد