محللون اسرائيليون: الاتفاق حقيقة ناجزة والتحركات لتحسين وضع إسرائيل
القدس / سوا / رغم الإجماع الإسرائيلي البادي للعيان على رفض الاتفاق النووي بين الدول العظمى الست وبين إيران، سواء من قبل الائتلاف الحكومي أم من قبل المعارضة، فإن قراءة ما بين السطور تشير إلى أن إسرائيل تدرك جيدا أن الاتفاق بات أشبه بالحقيقة الناجزة، وأن كل التحركات السياسية تأتي بهدف تحسين وضع إسرائيل في مرحلة ما بعد الاتفاق.
وتشير التحليلات الإسرائيلية إلى أن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو ، خاض معركة خاسرة لعرقلة الاتفاق، وأن الخط السياسي الذي قاده قد انهار، بل وتمكنت إيران من الاستفادة من الشرخ القائم بينه وبين الإدارة الأميركية، بحيث لم يعد الخيار العسكري الإسرائيلي واقعيا.
كما يتضح أنه يجري في الخفاء العمل على مواجهة مرحلة ما بعد الاتفاق، تعتمد أساسا على تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة، بكل ما ينطوي ذلك على زيادة المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل بذريعة الاستعداد للوضع الجديد الناشئ في المنطقة، وبضمنه إمكانية حصول سباق تسلح.
في المقابل، هناك إقرار إسرائيلي بأن إيران حققت إنجازات من خلال الاتفاق، بتكريس دورها كلاعب إقليمي مهم في المنطقة كشريك شرعي في الصراعات الإقليمية، وأزالت عنها صورة الدولة "الظلامية وغير العقلانية"، إلى جانب إزالة العقوبات الاقتصادية التي كانت مفروضة عليها.
"الاتفاق أزال الصورة الظلامية عن إيران ومنح الثورة اعترافا دوليا"
تحت عنوان "الاتفاق النووي التاريخي يمنح الثورة الإسلامية اعترافا دوليا"، اعتبر تسفي برئيل في صحيفة "هآرتس" أن الاتفاق قد أزال عن إيران صورة الدولة غير العقلانية التي يقودها مشرعون ظلاميون.
وكتب محلل الشؤون العربية في الصحيفة أن الاتفاق تضمن "الضبابية البناءة" التي تبقي حيزا معينا للمرونة، سواء من قبل الدول الغربية أم من قبل إيران، مشيرا إلى تصريحات مصادر دبلوماسية مطلعة مفادها أنه بدون هذا الحيز ما كان بالإمكان التوصل إلى اتفاق، وأن الجهود بذلت لتقليص هذا الحيز قدر الإمكان، والتدقيق في وضع حدود المسموح والممنوع.
ويضيف أن نص الاتفاق لا يتضمن التفاهمات فقط، وإنما طموحات وتوقعات كل طرف. وبالنتيجة يطرح التساؤلات: "هل سيكون الاتفاق مقدمة لمنظومة علاقات جديدة بين إيران والغرب أم أنه ليس أكثر من اتفاق تقني؟ وهل ستتحول إيران منذ اليوم إلى شريك شرعي في إدارة الصراعات الإقليمية والدولية، أم أنه سيستمر تصنيفها في خانة العدو الذي يحاول السيطرة على الشرق الأوسط؟ وهل سيمنح الاتفاق الدعم للإصلاحيين والليبراليين في إيران الذين يرون فيه إنجازا لممثلهم الرئيس حسن روحاني، أم أنه سيعزز تصميم النظام على رؤية الاتفاق كدليل على مدى صمود وعظمة روح الثورة؟".
ويتابع برئيل أنه لا خلاف على أن الاتفاق، بحسب تصريحات الرئيس السابق، علي أكبر رفسنجاني، كسر حاجزا، حيث أنه للمرة الأولى منذ الثورة الإيرانية تجري الولايات المتحدة مفاوضات مباشرة مع إيران، كطرفين على قدم المساواة، وليس من موقع ضعف.
ويضيف أنه بمجرد إجراء المفاوضات مع إيران، والتوقيع على الاتفاق معها، فإن إيران حققت أكثر مما كانت ستحققه القدرات النووية لها، فقد تحولت إلى قوة إقليمية مساوية في قوتها وقيمتها لمجموع الدول العربية التي كانت تعتبر "بيتا" للغرب في الشرق الأوسط.
ويتابع أنه منذ بدء المفاوضات، قبل سنتين، فإن إيران تهز التحالف العربي التقليدي، وترسم مناطق نفوذ جديدة غير متخومة في الدول التي تشهد صراعات، مثل سورية والعراق واليمن، وإنما في الساحة الدولية أيضا. فقد تمكنت، على سبيل المثال، من الاستفادة من الشرخ القائم بين إسرائيل والإدارة الأميركية بشأن برنامجها النووي، وتحييد التهديد العسكري الإسرائيلي. كما أن الاتفاق أزال عن إيران صورة الدولة غير العقلانية والتي يقودها مشرعون ظلاميون، ونالت الثورة الإسلامية الشرعية والاعتراف الدولي.
"نتنياهو يخوض معركة خاسرة والتاريخ سحق تقديراته"
في المقابل، كتب محلل الشؤون الأمنية في "هآرتس"، أمير أورن، تحت عنوان "الخطر: خطوة يائسة من قبل نتنياهو في محاولة لعرقلة الاتفاق مع إيران" أن الخط السياسي الذي قاده نتنياهو في الشأن الأهم، كيفما وصفه هو، قد انهار، حيث سحق التاريخ كل تقديراته وعملياته، فالعالم كله ضده، ربما باستثناء السعودية.
ويضيف أن إسرائيل، قبل أن يصبح نتنياهو رئيسا للحكومة، عارضت حيازة إيران لسلاح نووي، وأنه لهذا السبب كان يجب عليها أن ترحب بالاتفاق باعتباره وسيلة جيدة لتحقيق هدف ضروري، وإبعاد إيران عن الرأس القتالي النووي.
وبحسبه فإنه لا يوجد خيار عسكري، إسرائيلي أم أميركي، لأنه لا يوجد عملية عسكرية ناجعة بدون المركب البري، إدخال قوات برية. وفي هذا السياق يشير إلى أن إيران جمدت برنامجها النووي العسكري عندما غزا جورج بوش العراق، حيث أن الولايات المتحدة في حينه كانت غيرها اليوم، فقد كانت تلك قريبة من هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، ومصممة على دفع الثمن لإسقاط نظام طالبان في أفغانستان وصدام حسين في بغداد. وبعد ذلك فتر ال حماس واقتطعت ميزانيات البنتاغون، ولم يعد يرغب أحد بالقتال، في حين ثبت أن العقوبات الاقتصادية ناجعة أكثر من التلويح بالقوة العسكرية.
ويضيف أن الإسرائيليين الذين احتفلوا في سنوات الثمانينيات باستمرار الحرب العراقية – الإيرانية، وتجار الأسلحة الذين دعموا فرض الحظر على السلاح لكي يتم الالتفاف عليه وتحقيق أرباح، قد تلقوا عام 1991 الصواريخ البعيدة المدى التي طورها صدام لضرب طهران، وكان "صاروخ القسام هو ابن صاروخ سكود، في حين أن صاروخ شهاب كان شقيقه".
ويتابع أن الاستخفاف بالصواريخ تبدل باستثمار مليارات الدولارات في منظومات "حيتس"، ولاحقا عمد ضابط سلاح الجو، أمير إيشيل، إلى تخفيف الحماس من منظومات اعتراض الصواريخ، والتحذير من أن إنجازات "القبة الحديدية" في "الجرف الصامد" لن تتكرر في الأزمات القادمة. وانضم إليه، في هذا الشهر، جنرال الاحتياط، مئير فنكل في مقالة كتبها لمجلة "معرخوت"، مذكرا بأنظمة دفاعية محصنة قد انهارات، مثل "خط ماجينو" في فرنسا، وسور الصين، و"خط بارليف" في السويس. وكتب أن "كل عيوب خط ماجينو، مثل التكاليف الإستراتيجية على حساب الوسائل الهجومية، وخلق أمن كاذب، قد تتحقق في سياق القبة الحديدية والعصا السحرية.. وأن الطموح لتوفير الدفاع التام عن جميع السكان أثناء مواجهات واسعة النطاق سوف يؤدي إلى فشل إستراتيجي".
ويقول أورن إن مصطلح "الفشل الإستراتيجي" يلائم سقوط خط نتنياهو إزاء إيران، وأنه يخوض الآن معركة خاسرة، فالولايات المتحدة لن تتنصل من الاتفاق، وإذا تفككت شراكة الدول العظمى الست، فعندها لن يكون هناك إجماع على فرض عقوبات اقتصادية على إيران مرة أخرى. كما أن التراجع الأميركي يعطي لإيران الفرصة للخروج من اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية، وعندها ستلجأ إلى تطوير أسلحة نووية كما تشاء.
ويخلص إلى أنه في هذه الظروف من الضروري الحيلولة دون لجوء نتنياهو إلى خطوة يائسة في الشهرين القادمين. وبحسبه فإن إيران هي الدولة الوحيدة القادرة على عرقلة الاتفاق في الشهرين القادمين في حال تصرفت بحمق وأثبتت صدق التحذيرات، ولكن المشكلة تكمن في أن إيران قد شددت على الالتزام بتوقيعاتها والحذر في سلوكها في السياق النووي منذ سنة ونصف. وبالتالي فإن إيران بحاجة لمساعدة إسرائيلية، مثل قتل عالم إيراني، أو ضابط في حرس الثورة في لبنان أو سورية.
وينهي بالقول إنه "من هذه الزاوية فإنه يجب إبقاء رقابة مشددة على نتنياهو في الشهرين القادمين، من خلال وزراء في المجلس الوزاري، وفي لجنة الخارجية والأمن، وقادة أجهزة الأمن والاستخبارات والمستشار القضائي للحكومة، وذلك حتى لا يبادر إلى عملية استفزاز على أمل أن يحصل رد فعل متسلسل".
"الرد على إيران إقليمية قوية يكون بتعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة وتعزيز تحالف المصالح مع الدول العربية المعتدلة"
وكتب المراسل والمحلل في الشؤون العسكرية في "هآرتس"، عاموس هرئيل، تحت عنوان "بعد عاصفة الاتفاق، أوباما سينتظر نتنياهو مع دفتر الشيكات أي تقديم الدعم السخي لإسرائيل في المجال الأمني و أنه حتى لو كان الاتفاق النووي إشكاليا، فقد بات حقيقة ناجزة، ولم يعد الهجوم الإسرائيلي سينايو واقعيا، وسوف تبقى إيران قوة إقليمية، وعلى إسرائيل أن تجد ردا على ذلك.
وبحسبه، وبعد متابعة تقارير المرحلة الأخيرة من المحادثات، "يتضح أن البقرة (الولايات المتحدة) أرادت أن ترضع أكثر مما يريد العجل (إيران) أن يرضع". ويضيف أن الزعيم الروحي، علي خامينائي، كان يخشى من أن إزالة العقوبات وإنقاذ الاقتصاد الإيراني سوف ي فتح بلاده على الغرب، ويتيح للأميركيين تغيير وجه النظام تدريجيا، ولكن استعداده للتوقيع على الاتفاق يؤكد أن الاتفاق كان جيدا بحيث لم يكن بإمكان إيران التنازل عنه.
ويضيف أن الاتفاق هو الحدث الأهم في المنطقة التي تمزقها الحروب ذات المركب المذهبي، والذي تلعب فيه إيران دورا مركزيا، بينما تخشى دول، مثل السعودية ومصر وتركيا، على نفوذها، وقد تلجأ إلى الدخول في سباق تسلح للوصول إلى عتبات النووي، بسبب المخاوف من أن تحاول إيران خداع الغرب وتجاوز الاتفاق.
ويتابع أن الأموال التي ستتتدفق على الاقتصاد الإيراني، بعد إزالة العقوبات، قد تساعد في زيادة موارد النظام في سورية، وحزب الله في لبنان، وحماس والجهاد الإسلامي في قطاع غزة ، والحوثيين في اليمن.
في المقابل، فإن الأزمة الخطيرة في علاقات إسرائيل بالولايات المتحدة، وخاصة العلاقات الشخصية المتوترة بين أوباما ونتنياهو، أبقت الأخير في موقع التأثير الهامشي في المراحل الأخيرة من المفاوضات. والآن من المتوقع أن يبدأ الصراع في الكونغرس، حيث يحاول نتنياهو عرقلة إزالة العقوبات التي فرضها الكونغرس على إيران. ورغم التأييد الذي يتمتع به في وسط الجمهوريين، فإن ذلك مرتبط بقدرته على دفع 13 سيناتور ديمقراطيا إلى المعسكر المعارض للرئيس، ولكن هذا الاحتمال لا يبدو ممكنا في هذه المرحلة.
ويأمل هرئيل في أن لا تؤدي الخلافات المبدئية الشخصية إلى حرق كل الجسور بين إسرائيل والولايات المتحدة، حيث أنه في نهاية المطاف فإن أوباما من المتوقع أن ينتظر نتنياهو في البيت الأبيض ومعه دفتر الشيكات وبجاهزية لبلورة صفقة تعويض أمنية سخية لإسرائيل مقابل الاتفاق مع إيران.
وينهي بالقول إنه رغم أن "الاتفاق إشكالي وينطوي على ثغرات، فإنه على وشك أن يصبح حقيقة ناجزة، كما أن الهجوم الإسرائيلي على المنشآت النووية لم يعد جزءا من سيناريو واقعي. وفي حال تمكن أوباما من تجاوز معارضة الكونغرس فسوف تبقى إسرائيل مع الحقائق الأساسية: إيران ستبقى دولة إقليمية قوية، ولكن بدون قدرات نووية عسكرية، ويكون الرد الإسرائيلي من خلال توثيق العلاقات مع الولايات المتحدة، وتطوير القدرات العسكرية للجيش بمساعدتها، وتعزيز تحالف المصالح مع الدول السنية المعتدلة في المنطقة".