ما كان له أن ينجح في مسعاه، حواجز عديدة لم يتمكن من تجاوزها، كان يعلم ذلك، لكن إصراره لم يكن كافياً أمام هذه السدود التي وقفت حائلاً ودون تحقيق ما أراد وصمم، هذا هو سلام فياض ، الذي حاول دون جدوى، منذ كان وزيراً للمالية، حتى رئاسته للحكومة، حاول أن يحول السلطة إلى دولة مؤسسات، تليق بالمواطن الفلسطيني وتليق بقيادته، وتليق بتضحياته، لم يكن كافياً أن يكون هناك رجل دولة، كسلام فياض، لقيام مثل هذه الدولة على أسس مؤسساتية، إذ ظلت الفردية، وروح التصدي لكل ما ينحو نحو التقدم والحداثة والتنمية، ظلت تواجه تحدي هذا الرجل، الذي فشل فشلاً ذريعاً، في الانتقال البنيوي من مزاجية القرار، إلى قرار المؤسسة المدروس والممنهج، وربما هذا الفشل الذي أحاق بمشروعه «التبشيري» هو ما دفعه إلى الارتحال لتحقيق هذا المشروع في اطار أكثر ضيقاً، لكن أقل مغامرة، وكانت المفاجأة، أن الرجل الذي تنحّى عن دوره الرسمي، ليحقق مشروعه على المستوى التنموي الشعبي والمدني، من خلال «مؤسسة فلسطين الغد» ظاناً منه ـ وهو على خطأ كبير ـ أن بالإمكان الانطلاق منها لتشكل تجربة فريدة في العمل الأهلي الفلسطيني، بعيداً عن تطاول المؤسسات الوهمية التي تطارد كل ما هو جميل ومفيد، واعتقد واهماً، أن العمل الجدي الصامت، الطامح إلى ما هو أفضل، كفيل بوقف مثل هذه المطاردة، إذ لم يعد منافساً لأحد، ولم يعد يشكل حاجزاً أمام المنتفعين والنافذين.

وهناك خشية، من أن ما لم يتمكن الوصول إليه من خلال منصبه الرسمي، سيصل إليه من خلال «دولة فلسطين الغد»، ولعلّ الأداء الفعال لهذه «الدولة» إبان الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة قبل عام، فتح الأعين على ما تشكله هذه «الدولة» من مخاطر، في تجربتها غير المسبوقة من خلال برنامج «ساندوا غزة» الذي اعتمد على قدرات عالية في التنظيم وأعاد الروح إلى «العمل التطوعي» الذي كاد الجمهور الفلسطيني أن ينساه أو يتناساه، هذا البرنامج الذي اعتمد على روح المبادرة الاجتماعية والدعم العيني، أسهم في سد ثغرة واسعة، كان يجب على مؤسسات الدولة القيام بها.
والتجربة التي لا تتوقف عند قطاع غزة، بل إلى كافة المناطق المهمشة، والمنسية خاصة في المنطقة «ج» والتجمعات الشعبية على تخوم جدار الفصل، «دولة فلسطين الغد»، كانت في كل منطقة بحاجة إلى الدعم والتنمية والإسناد، ورغم العمل الهادئ والصامت، إلاّ أن «دولة فلسطين الغد» شاعت وباتت معروفة للمواطنين على نطاق واسع، وأخذت مكانتها المرموقة وسط العديد من المؤسسات الشبيهة رغم تاريخها القصير وتجربتها الزمنية المحدودة.
لم تكن «فلسطين الغد» إلاّ نتاج الحاجة إلى مؤسسة تقوم على رعاية عملية التنمية البشرية بالتشارك مع المؤسسات الأخرى، لم تكن ترغب أو تملك المنافسة مع أية جهة كانت، بما فيها «الدولة» وعندما أطلقنا مصطلح الدولة على المؤسسة، فإن ذلك يعود بالدرجة الأولى إلى أن حسن التنظيم وبراءة الدوافع والقدرة على وضع البرامج والخطط ومراقبة ومتابعة تنفيذها، أعطاها هذه الصفة التي يجب أن تتوفر لدى كل دولة، وبين قرار الحجز على أموال المؤسسة، وهو الأمر الذي تم إلغاؤه بقرار لاحق من قبل المحكمة العليا، تأكدت مواصفات رجل الدولة، سلام فياض، الذي أغاظني بهدوئه إزاء ردود فعله الهادئة، وكأنه بهذا الهدوء، يعطي للجميع، أفراداً أو جماعات، كيف لمثله أن يمنح ثقته بالقضاء على الرغم من كل ما يمكن أن يقال عنه، مراهناً على أن القضاء الفلسطيني، لا بد له في نهاية الأمر من الانتصار للعدالة، هكذا كان وهكذا يجب أن يكون لدى استصدار القرار النهائي، سلام فياض بهدوئه إزاء الأمر، أوقع قوى الانتقام في دوامة البحث عن مجالات أخرى لتشويه الرجل، كما جرى عندما قيل إن سلام فياض يشارك في مؤامرة للانقلاب على الرئيس، سذاجة الفكرة خدمته من حيث لا يدري هؤلاء، الرجل الذي أرادوا تشويه سمعته، فرهانه على القضاء وأحكامه، بالتوازي مع إنجازات المؤسسة التي يقودها، كان كافياً للتحكيم الشعبي، سمعة هذا الرجل، في السلطة وخارجها، باتت محمية من كل الذين انتفعوا من خدماته وخدمات المؤسسة، وهم على مدار قرى ومخيمات ومدن مناطق السلطة على شموليتها واتساعها.
التجربة شهادة للرجل كما أنها شهادة للقضاء الفلسطيني، لكن الأهم من كل ذلك، أن هذه التجربة دلت بشكل لا أوضح، من أن مهمة الدفاع عن المؤسسة، من الناحية القانونية، كانت سهلة، على الرغم من حنكة المحامي، فالرأي العام هنا، وفي هذه الحالة بالذات، هو الذي بات حارساً على القانون والعدالة!!
Hanihabib272@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد