هل الزلزال عقاب من الله؟
زلزال تركيا وسوريا المُصاب الجلل الذي فتك بالشعبين على حين غفلة وهم نائمون، فراح ضحيتها أكثر من 15 ألف قتيل وعشرات الآلاف من الجرحى، وما زال الكثير تحت أنقاض الزلزال سواء أحياء أم أموات، وكما هو متعارف فإن الأقاويل تتكاثر في مثل هذه الكوارث عن يوم الساعة وعقاب الله لنا، لكن هل فعلاً الزلزال عقوبة من الله؟
حسبما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية فإن المصائب والابتلاءات ومنها الكوارث الطبيعية كما في الزلازل لها 3 أسباب مباشرة، إلى حكمة الله تعالى التي لا نعلمها
السبب الأول الذنوب والمعاصي
قد يكون البلاء سواء كان زلزال أم براكين أو أي من الكوارث الطبيعية بسبب الذنوب والمعاصي، على أنها ليست أي ذنب، وليست أي معصية، فالله خلقنا بشراً، نخطئ ونصيب، لكن الله خص العقاب والبلاء بثلاث شروط ضمنية:
- من يعمل "الكبائر".
- من يُصرّ عليها.
- من يجاهر بها ولا يستتر.
لكن قد يعاقب الله الفرد الذي يقوم بالإثم، ولي القوم أجمع، لأن الله يعفو عن كثير: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}، كما أن الله يمهل، وقد يؤجل العقوبة، فلعل المسلم يرجع ويستغفر ويتوب.
ولرحمة الله فإنه لا يعمِّم العذاب بل يعاقب المخطئ، وقد يكون تعجيل العقوبة حباً بالعبد مثل عقوبة الزلازل، فقد روى الترمذي عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :"إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الْخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
وتجدر الإشارة هنا إلى أنه إذا عمَّت البلوى، وانتشرت بين الناس، فقد يعاقب الله بعضهم، ليرجع بعضهم الآخر، أما عموم العذاب بالاستئصال، فهذا كان للأقوام السابقة الذين ذكرت قصصهم بالقرآن، وكان لكفرهم وتكذيبهم بالرسالات والنبوات.
السبب الثاني: الزلازل جزء من طبيعة الدنيا
- فالزلازل والبراكين والأمطار والأعاصير، والخسوف والكسوف وغيرها الكثير كلها ظواهر طبيعية، ولها تفسيرات علمية، وقد تكون في المدن فتؤذي الناس، وقد تكون في الصحارى والبحار وبأمكنة لا يقطنها أحد فلا تضرهم.
- كما أن البلاء والمصائب والمصاعب ومنها الزلازل المدمرة، جزء من طبيعة الحياة الدنيا، ولم يخف الله ذلك عنا. قال تعالى: "أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ". ولذلك قد تكون هذه الظواهر الطبيعية -أحياناً- جزءاً من البلاء:
- قد تكون الكوارث والزلازل للتخويف، حيث قال الله تعالى: "وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا"؛ والهدف من التخويف أن يقبل الناس على الله، ويتضرعوا إليه: "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ".
- إظهار قدرة الله وعظمته وجبروته حتى لا يستكبر المرء ويأخذه الغرور، والدليل هُنا قوله تعالى: {قلْ هُوَ ٱلْقَادِرُ عَلَىٰٓ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ ۗ ٱنظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ ٱلْءَايَٰتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} .
- الزلزال هو تذكير بيوم القيامة وأهواله، فالزلزلة الصغرى تذكِّر بالزلزلة الكبرى.
في البلاء خير حتى في مثل زلزال تركيا وسوريا المُدمر؛ لأنه يخرج الخير من النفوس، ويقوي الإيمان والتقوى ويعزز الإيثار والعطاء والإغاثة بين المسلمين، فالمصائب تُنسي المشاحنات والأحقاد، وتكظم الغيظ، وتستخرج الطيبة والتضحية والإيثار: "وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ".
السبب الثالث رفع درجات في الجنة
على المؤمن التأكد أن الابتلاء لرفع مقام المؤمنين الصابرين المحتسبين: "ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين"؛ فلا يظننّ المؤمنون أنه إذا نزل البلاء بهم، وعوفي الكفرة منه، أنه الله يحابي الظالمين؛ بل هو حب للمؤمنين واصطفاء لهم، ورفع درجات: "وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ".
ودليل آخر ما جاء بالحديث الصحيح الذي رواه أبو داوود عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا سَبَقَتْ لَهُ مِنْ اللَّهِ مَنْزِلَةٌ لَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلِهِ ابْتَلَاهُ اللَّهُ فِي جَسَدِهِ أَوْ فِي مَالِهِ أَوْ فِي وَلَدِه"، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ عِظَمَ الجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ البَلاَءِ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاَهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ" . وروى البخاري: "مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ شَوْكَةٍ فَمَا فَوْقَهَا إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً، أَوْ حَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً". وروى سعد بن أبي وقاص: "قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاَءً؟ قَالَ: الأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلاَؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ البَلاَءُ بِالعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ.
ولتفريق بين البلاء الذي لا يقتصر فقط على الكوارث والزلزال وبين رفع الدرجات، فإن الإيمان واجتناب الكبائر، علامة أنه لرفع درجة. كما أن اللمم والصغائر، مع اجتناب الجهر والمكابرة، فهذه بإذن الله ورحمته، لا تستوجب العقوبة الكبيرة، ولما يكون العقاب لبعض المسلمين دون بعضهم الآخر. وبكل الأحوال البلاء أجر وثواب، وعداد لجمع الحسنات. وهذه أهم فكرة. وإن في البلاء حكمة تعليم الصبر.
وعلينا جميعاً في مثل مصيبة زلزال تركيا وسوريا اجتناب هذه الإساءات الثلاثة: التفكّه بمعاناة الناس، وجعلها مادة للاتهام والنصح، ونشر ما يحبط ويخوِّف، واستغلال المُصاب الجلل للتشفي، وتصفية الحسابات الخاصة مع الأعداء والخصوم، بذريعة أن الله عاقبهم لأنهم أساؤوا.