الشهر الأوّل من عمر حكومة بنيامين نتنياهو العنصرية الفاشية حمل مؤشّرات خطر حقيقي، بدفع الأوضاع نحو الانفجار الشامل في الأراضي المحتلة عموماً، ويسجّل كل مواصفات العنصرية والفاشية.

نحتاج إلى أن يصدق الفلسطينيون والعرب، والمجتمع الدولي، أن الحكومة القائمة في إسرائيل تشكل نقلة نوعية إزاء طريقة تعاملها ورؤيتها لآفاق العلاقة مع الشعب الفلسطيني حقوقاً ووجوداً.

حكومة لابيد لم تكن صاحبة رؤية سلامية، ولم تظهر أيّ التزام إزاء مبدأ المفاوضات، وتنفيذ «رؤية الدولتين»، وهي مهّدت الأرض أمام الحكومة العنصرية الفاشية، عَبر تصعيد ممنهج وشامل في الضفة و القدس ، خصوصاً.

ليس بوسع «المعارضة» الاعتراض على ما تقوم به حكومة نتنياهو، فهي قد مارست عملياً القتل والإعدام الميداني، والاعتقالات بالجملة، وسرقة أموال الفلسطينيين، ومارست سياسة هدم البيوت والتهجير، ولذلك ليس غريباً أن يصدر عن وزير الجيش السابق بيني غانتس تصريح يدعم فيه ما يقوم به خلفه يؤاف غالانت.

الطبقة السياسية في إسرائيل بكلّ مسمّياتها وأسمائها تتفق على رفض مجرّد التفكير بحقوق سياسية للفلسطينيين، ورفض المفاوضات بصرف النظر عن مرجعياتها، وكلّها تتفق على أن القدس عاصمة إسرائيل الأبدية، والضفة الغربية أرض إسرائيلية.

ما يُميّز هذه الحكومة، هو أنها تتجنّد لتحقيق خطوات عملية متقدمة نحو تنفيذ مخطّطات تسمين وتوسيع الاستيطان، وضمّ المناطق المصنّفة (ج)، وكسر الميزان الديمغرافي في القدس.

كان معهد أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب في تقريره الاستراتيجي السنوي للعام 2023، قد أشار إلى أن أكبر تهديد استراتيجي وأمني يواجه إسرائيل في الوقت الحالي يتمثّل بإمكانية تدهور علاقاتها مع الدول الغربية والإدارة الأميركية بسبب مخطّط إضعاف الجهاز القضائي، إلى جانب تغيير نمط العلاقات مع السلطة الوطنية الفلسطينية.

حكومة نتنياهو عملياً بدأت في طرح هذه التحديات على طاولة التنفيذ، فالانقلاب على القضاء يثير المعارضة الداخلية، وتتجه تفاعلاته نحو تعميق الانقسام في المجتمع، وتهديد القيم التي تنتسب من خلالها إسرائيل إلى المنظومة الغربية، والتصعيد ضد الفلسطينيين يتجّه نحو تغيير الوضع القائم ما سيؤدي إلى الانفجار.

مجزرة جنين التي راحَ ضحيّتها عشرة شهداء، لم تكن جريمة استثنائية أو حدثاً عارضاً، وإنّما هي مجرد بداية تؤشّر على مستوى العنف الذي ستتّبعه الحكومة الإسرائيلية بدعوى مكافحة الإرهاب.

هذه السياسة ليست فقط حصرية، بين إيتمار بن غفير، وصاحبه بتسلئيل سموتريتش، وإنماً سياسة الحكومة، ويخطئ كلّ من يعتقد أن نتنياهو لديه رؤية مختلفة، أو أن ثمة فرقاً بينه وبين حلفائه من «اليمين الديني الصهيوني».

خلال مرحلة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، كان نتنياهو بين لحظة وأخرى سيتخذ قراراً بضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، وهو لن يبرح هذا الهدف حتى تحقيقه خلال ولايته الحالية لكي يكون «البطل» الذي أكمل الناقص في ما حقّقه المؤسّسون من المخطط الصهيوني الذي يشمل كل أرض فلسطين التاريخية ما عدا غزّة.

ربما يجد نتنياهو طريقه للالتفاف على الانقلاب القضائي، لتأمين هروبه وأصدقائه المتهمين من الملاحقة القضائية بما يخفّف من الاحتقان الداخلي، ولكنه لا يهتمّ كثيراً، بردود الفعل الدولية، حين يحقّق ما يريده في الضفة والقدس.

نلاحظ حتى الآن بالرغم من بشاعة الإجراءات التي تتّبعها إسرائيل في الضفة والقدس، أن الدول الغربية، لا تتخطّى حدود الموقف الذي يُعبّر عن «القلق»، ويكتفي بالمطالبة بخفض التصعيد.

أما الولايات المتحدة على وجه الخصوص، فإنها في حين تعبّر عن «قلقها»، وتقول إنها لن تتعامل مع بن غفير وسموتريتش، وإنما مع الحكومة، إلّا أنها تُدين بصريح العبارة، ما تسمّيه الإرهاب الفلسطيني، سواء في عملية القدس، أو في مجزرة جنين قبل ذلك.

كان فجّاً وقبيحاً تصريح الرئيس الأميركي جو بايدن، حول عملية القدس، إذ قال إنها ضربة للعالم المتحضّر، متجاهلاً أنّ إسرائيل لا تنتمي إلى هذا العالم، وأنها دولة احتلال وعنصرية فاشية، ودولة متمرّدة على القانون الدولي، وسجلها طافح بالجرائم من كلّ نوع.

عبثاً الاعتقاد بأنّ كثافة وتتابُع زيارات المسؤولين الأميركيين إلى إسرائيل والأراضي الفلسطينية، يمكن أن تثني نتنياهو ورفاقه عن مواصلة الطريق نحو التصعيد، وخلق الظروف لتحقيق أهدافه التوسعية والإجرامية.

كلّ الوقت طالبت الإدارة الأميركية إسرائيل والفلسطينيين بخفض التصعيد، ولكنها لم تنجح في ذلك، حتى إبّان حكومة يائير لابيد، التي ردّت في حينه بأنها صاحبة الحق والمسؤولية في تحديد قواعد الاشتباك بما يحمي ويحقّق الأمن لإسرائيل.

كان مسؤول الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان وقبله وفد من «الكونغرس» في إسرائيل، قبل أن تقع مجزرة جنين، ورئيس الاستخبارات المركزية الأميركية ويليام بيرنز كان موجوداً حين وقعت المجزرة وعملية القدس، وهو لا يزال هناك، فهل أدّى ذلك إلى كبح جماح التطرّف الإسرائيلي؟

يصل وزير الخارجية انتوني بلينكن هو الآخر في زيارة لمصر وإسرائيل و رام الله ، فهل سيكون قادراً على تخفيف حدّة التوتر والتصعيد؟

في وجود بيرنز، يتخّذ المجلس الأمني الإسرائيلي المصغّر جملة من القرارات والإجراءات العقابية بحقّ المقدسيين، تستهدف كسر وتغيير الميزان الديمغرافي، وهو بالتأكيد قرأ أو سمع بن غفير وهو يصرخ: «الموت للعرب»، فماذا كان عليه أن يفعل وماذا فعل؟

في الحقيقة، فإن نتنياهو يتلاعب بالجميع، فهو يُدرك أولويات الإدارة الأميركية، التي تركّز على الصين وروسيا، وكوريا الشمالية، ولا ترغب في انفجار الوضع في الشرق الأوسط، ولذلك فإنّه يوظّف التهديد بعمل عسكري ضد إيران، لكي يشلّ الموقف الأميركي والغربي إزاء ما يقوم به في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

مرّة أُخرى يتّجه الموقف الأميركي نحو الضغط على الطرف الفلسطيني، الذي عليه أن يتراجع عن قراره بوقف «التنسيق الأمني»، وأن يسعى لضبط ما يُسمُّونه «العنف»، ولكنه يتعمّد الضبابية إزاء ضبط السلوك الإسرائيلي، ويتلاعب مرّة أخرى، بإحالة المسؤولية على بن غفير دون أن يعني ذلك شيئاً في الواقع، بذريعة أنه لا يستطيع التفريط به من أجل بقاء الحكومة.

واقعياً، لا يُبقي نتنياهو أمام الفلسطينيين سوى خيار واحد وهو المواجهة، بينما هم يتأخّرون عن توفير مستلزماتها.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد