كشفت الأحداث المتلاحقة والخطيرة في الاراضي الفلسطينية المحتلة في الأسبوع الاول من شهر يناير الحالي مثل تنصيب حكومة صهيونية  يمينية متطرفة , وقتل وإصابة عشرات الفلسطينيين منهم أطفال في الضفة الغربية من طرف قوات الإحتلال , وهدم منازل ومباني فلسطينية في القدس ومدن الضفة الغربية المحتلة , وإقتحام وزير الامن القومي المتطرف إيتمار بن غفير باحات المسجد الأقصى المبارك, ومنعه رفع العلم الفلسطيني في الاماكن العامة , وقرار حكومة الإحتلال إقتطاع ملايين الشواكل من أموال الشعب الفلسطيني بدعوى توجه السلطة الفلسطينية لمقاضاة الإحتلال في المحافل الدولية, وإمتناع العديد من دول كانت مؤيدة للقضية الفلسطينية من أوروبا وأسيا وإفريقيا عن التصويت في الامم المتحدة لقرار إستشارة محكمة العدل الدولية في ماهية الإحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية غياب استراتيجية إعلامية فلسطينية رسمية وشعبية واضحة وهادفة لمواجهة الدعاية الإسرائيلية حول هذه الأحداث المتعاقبة والخطيرة  وفرض الرواية الفلسطينية الحقيقية دوليا, وكشف تحيز وسائل الإعلام الغربية للجانب الإسرائيلي في تغطيته للأحداث في الأراضي الفلسطينية المحتلة , حيث لم تتحدث وسائل الأعلام الغربية عن هذه الأحداث رغم مخالفتها للقوانين والمواثيق الدولية وحقوق الإنسان إلان نادرا وفي خبر هامشي وفرعي .ولكن الأهم في كل هذا تراجع ملحوظ للتضامن الدولي الرسمي , المؤسساتي والشعبي للقضية الفلسطينية حيث غابت المظاهرات والتجمعات المساندة لنضال الشعب الفلسطيني في العديد من دول العالم رغم خطورة الإنتهاكات الإسرائيلية يوميا , وحتى مؤتمرات التضامن والتأييد في دول الغرب أصبح يحضرها بالكاد عشرات المهتمين والمتضامنين , بعدما كان يحضرها الألاف منهم سياسيين وأعضاء برلمان ومجالس نيابية.


هذا التضامن الدولي في السابق كان أداة ضغط على السياسيين ووسائل الإعلام في الغرب وكان عاملا رئيسا في دعم القضية الفلسطينية.


حتى المواقع الإلكترونية الفلسطينية و النشطاء الفلسطينيون على مواقع التواصل الإجتماعي أصبحوا غير قادرين على فضح ممارسات الإحتلال والترويج للرواية الفلسطينية رغم أننا أصحاب حق وقضيتنا عادلة لأن طريقة معالجتهم للأحداث المتلاحقة في الأراضي الفلسطينية هي سرد للخبر والحدث بشكل فوري دون الغوص في الحديث عن الرواية الفلسطينية , فمثلا عندما يستشهد فلسطيني من طرف جندي أو مستوطن إسرائيلي نرى أغلب المواقع وصفحات النشطاء في فلسطين تنشر خبر أستشهاده وتتسارع لنشر الخبر كسبق صحفي مع نشر نفس صورته في جميع المواقع والمجموعات , دون الإنتظار قليلا لجمع معلومات أكثر للحديث عن هذا الشهيد بشكل كامل والتركيز على الجانب الإنساني في حياته مثل كيف قضى أخر أيامه  ,  , عائلته , أصدقائه,  قريته أو مدينته, دراسته أو عمله , ظروف إستشهاده , ظروف حياته , طموحاته وأحلامه وإنجازاته مثل ما يفعله الجانب الإسرائيلي عند مقتل او إصابة أحد جنوده أو مستوطنيه.


وعندما تقصف غزة من طرف طائرات الاحتلال الإسرائيلية فأننا نجد خبر القصف وصورة من الارشيف هي نفسها على جميع المواقع الإخبارية وصفحات التواصل الإجتماعي الفلسطينية كخبر عاجل دون الإنتظار قليلا لمعرفة مكان القصف والخسائر المدنية والزراعية والطرقات والبنية التحتية والمنازل والسكان الذين شملهم القصف , ويوم القصف مثل يوم دراسي أو عمل وهل هناك مناسبات دينية أو إجتماعية أو وطنية يوم القصف. وغيرها من الامور الإنسانية التي تدين الاحتلال على همجيته.  


وأصبحنا نخاطب أنفسنا بدل أن نخاطب العالم ونعتقد أن العالم يشاهد ما يحدث في فلسطين بشكل دوري, ولكن نسينا أننا يجب أن نخاطب هذا العالم بلغة وطريقة يفهما وتؤثر فيه مثل ما يفعل الجانب الإسرائيلي الذي أنشأ ألاف الصفحات والمواقع الإلكترونية وعلى مواقع التواصل الإجتماعي وبجميع لغات العالم للترويج لرواية الأحتلال وينفق عليها ملايين الدولارات ونحن غير قادرين على إنشاء حتى موقع واحد بعدة لغات للحديث عن فلسطين والرواية الفلسطينة وعن الشعب الفلسطيني تحت الإحتلال. وإن وجدت مواقع فإنها تركز على الخبر والسرد وليس الرواية والتحليل.


 و هكذا غابت الرواية الفلسطينية وتراجعت القضية الفلسطينية شعبيا وإعلاميا ودوليا.


قد يفسر العديد من الملاحظين تراجع هذا التضامن الدولي لوجود أحداث دولية متلاحقة في السنوات القليلة الماضية مثل الأزمة الصحية وتأثيراتها على الإقتصاد العالمي والمجتمعات , والحرب الروسية-الأوكرانية و تداعياتها على العالم بأسره.


صحيح أن هذه الحرب كشفت على تعامل المجتمع الدولي بشكل عام ووسائل الإعلام الغربية بشكل خاص بمعياريين في تغطية أحداث هذه الازمة بتحيزه للجانب الاوكراني , وفرضه عقوبات إقتصادية على روسيا وتجاهله لقضايا حقوق الإنسان , والإحتلال والعدالة مثل ما يحدث في الأراضي الفلسطينية التي تشهد عدم تطبيق القانون الدولي من طرف دولة الاحتلال دون رد فعل من المجتمع الدولي ومعه الأعلام الغربي.


خصوصا أن الإعلام في الغرب مؤئر في توجيه الرأي العام ويمثل وسيلة فعالة في التأثير على الجمهور مما يساعد دولة الاحتلال في تسويق سياستها العدوانية ضد الشعب الفلسطيني. وعدم الحديث عن معاناة الشعب الفلسطيني تحت الإحتلال, أو تبني الرواية الإسرائيلية كاملة دون الأخذ بعين الاعتبار الموقف الفلسطيني. 


بشكل عام لا تعطي وسائل الإعلام الغربية مجال إلا نادرا للفلسطينيين أو المؤيدين للقضية الفلسطينية وتستضيف مقربين من الجانب الإسرائيلي وأحيانا الناطق الرسمي بإسم الجيش الإسرائيلي أو الحكومة الإسرائيلية للحديث عن التطورات الحاصلة في الأراضي الفلسطينية .


وحتى المصطلحات المستعملة من طرف وسائل الأعلام الغربية فإنها غير موضوعية مثل : جنود إسرائيليون يدافعون عن أنفسهم ضد هجمات مسلحين فلسطينيين ,محاولة نزع سلاح جندي إسرائيلي, , سجناء فلسطينيين ملطخة أيديهم بالدماء, تنظيمات فلسطينية مسلحة و متطرفة, ولا تتطرق لإنتهاكات الإحتلال ضد القانون الدولي. حتى كلمة إحتلال أو إستيطان لا تذكرها.


يقول الكاتب والمؤرخ الفرنسي جون بول شانيلو وهو مدير مركز (أبحاث ودراسات الشرق الاوسط) بباريس في فرنسا ومتخصص في القضية الفلسطينية عن سبب إنحياز الإعلام الغربي لدولة الاحتلال بأن معركة الفلسطينيين مع الجانب لإسرائيلي هي معركة إعلامية ولحد الان يتقن الجانب الإسرائيلي اللعبة أفضل, وللأسف العرب لا يجيدون الإتصال ولا يعرفون الدفاع عن قضيتهم الأم.  وأضاف أن ما يحدث في الاراضي الفلسطينية هو في الاساس معركة إعلامية نجح الجانب الإسرائيلي فيها في الخروج منتصرا رغم جرائمه المستمرة ورغم إنتقاد العالم له.


لماذا لا توجد إستراتيجية إعلامية فلسطينية لتوجيه الرأي العام الدولي حولا القضية الفلسطينية ؟ ولماذا لا نشاهد بشكل دوري ناطقين باللغات الأجنبية على وسائل الأعلام الدولية للحديث عن الأحداث المتسارعة في الاراضي الفلسطينية ؟  ولماذا الرواية الفلسطينية الرسمية والشعبية غير منتشرة لفضح ممارسات الإحتلال بحق الشعب الفلسطيني ؟


لماذا لا يتم توثيق باللغات الأجنبية للأحداث المتسارعة في الأراضي الفلسطينية عالميا؟


 ومواجهة الخطاب الإعلامي الموجه من طرف الجانب الإسرائيلي .


لماذ لا يتم التفكير جديا في إنشاء وسائل إعلام باللغات الأجنبية و منصات وصفحات على مواقع التواصل الإجتماعي وتطوير الخطاب الإعلامي الفلسطيني الرسمي والشعبي وأهمية تكيفه مع التحديات والمتغيرات الدولية لدعم قضية الشعب الفلسطيني دوليا مما ينعكس إيجابيا على حشد دولى وتعزيز التضامن الدولي مع عدالة القضية الفلسطينية ومواجهة التحديات التي تواجه القضية الفلسطينية برؤية إعلامية واضحة المعالم ومؤثرة دوليا.


والأهم من ذلك لماذا لا يتم الترويج للرواية الفلسطينية كقضية شعب وتاريخه وحياته ونضاله وتضحياته وصموده؟

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد