قبل حلول شهر رمضان بيومين حدثني سائق سيارة عمومية عن مئات المواطنين الذين تقاطروا إلى مجمعات استهلاكية استيطانية وعلى رأسها مجمعا «رامي ليفي» شمال القدس وجنوب الخليل، في ظل حملة تسوق كبيرة وغير مشهودة.
وعندما تدخل أحد المواطنين لإقناع البعض بأهمية مقاطعة منتجات الاحتلال واجهته مجموعة من المتسوقين شاتمة السلطة الوطنية الفلسطينية بكلمات جارحة، فيما قال أحدهم عندما تنخفض أسعار الدجاج في رام الله إلى السعر الموجود لدى رامي ليفي طالبنا بالمقاطعة.
وعندما أعلنت سلطات الاحتلال عما يسمى «التسهيلات» خلال شهر رمضان.. تهافت عشرات الآلاف من المواطنين ونسبة عالية منهم من الشباب للحصول على التصاريح، وعندما قررت السلطة عدم توزيع التصاريح إلاّ إذا مرّت بطرق رسمية.. لاحظنا أن عدداً كبيراً من المواطنين استعد للذهاب إلى مراكز الاحتلال في ما يسمى مكاتب «الإدارة المدنية» وخاصة في «بيت إيل» للحصول على تلك تصاريح.
لعل ما ذكر آنفاً من أمثلة يصبُّ في خانة واحدة وهي اهتزاز هيبة السلطة الوطنية بشكل غير مسبوق.. وأن المواطن العادي لم يعد يرى في السلطة ما يعبر عن طموحاته أو ربما أن القيمة المعنوية لمفهوم السلطة لم تعد كما كانت عليه.
وحتى عندما تم الاستفسار من إحدى الوزارات المختصة حول موجة غلاء الأسعار، كان رد الوزير بأنه لا يعرف الأسباب. الأمر الذي أصبح نكتة يتداولها المواطنون فيما بينهم.. فإذا لم يعرف الوزير فمن الذي يعرف؟!.
ومن مظاهر اهتزاز هيبة السلطة هذه الفوضى التي تضرب في المناطق المصنفة «ج» فإذا ما خرجت من مدينة البيرة ووصلت إلى منطقة كفر عقب فإنك تلاحظ أنها أصبحت كياناً مستقلاً، والفوضى في كل مكان، حتى أن البنايات غير المرخصة تدخل في حرم الشارع.
وفوضى المرور يشارك فيها الجميع ابتداء من الدراجات النارية إلى السيارات العمومية.. وكل شخص يعتبر أن له مملكته الخاصة.
نتحرك إلى قلنديا، وعند الحاجز ترى عالماً آخر، وعندما تذكر السلطة فكأنما تذكر شيئاً غير مرغوب فيه...
أيضاً عندما تنتقل في سيارة عمومية، ويتطرق الحديث إلى السلطة فكثيراً ما تسمع العجب العجاب... بحيث إن حجم الجرأة على الشتم وليس النقد يكاد يكون خارجاً على المألوف.. والكثيرون لا يعيرون اهتماماً بهياكل السلطة، إلاّ من خلال الوظائف أو الخدمات التي تقدمها... والإشكالات على مستوى القيادات السياسية بين القوى الوطنية وحتى في حركة فتح وعدم وجود رؤية موحدة حول كثير من الإشكاليات والمشاكل أو حتى كيفية بناء استراتيجية وطنية للحفاظ على روح القضية الفلسطينية كلها تسبب اهتزاز هيبة السلطة...
هناك تغير كبير في المزاج الشعبي يجب أن يلاحظ ويُدرس من القيادة... ولعلّ التعليقات على الفيسبوك بعد طعن جندي إسرائيلي في القدس... حول منفذ العملية ينذر بالخطر.. وحجم النفاق السياسي المتصاعد ينذر بخطر أكبر.. والاعتقاد بأن دور السلطة هو دور خدماتي فقط ينذر بالخطر... حتى التغيير أو التعديل الوزاري.. كان المواطن في واد والحكومة في واد آخر.
فهل تحركنا من أجل إعادة هيبة السلطة بالقانون والتعددية والدمقرطة الحقة والشراكة والمساواة للجميع ومن أجل الجميع أم أن القادم أعظم؟!.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية