صور..شهر رمضان يعيد لحظات الألم لـ"ياسر" الناجي الوحيد من مجزرة عائلة "الحاج"
خانيونس/ خاص سوا / خالد الأستاذ / بنظرة شاردة إلى ذاك الركام وعلى تلك الزاوية التي من المفترض أن تكون البقعة التي اعتاد ياسر أن يتناول افطاره فيها، تبعثرت آمال الشاب العشريني من جلسة جديدة مع عائلته على مائدة افطار جديدة في شهر يجمع أفراد العائلة.
وحين تتحول كل لحظة جميلة جمعت ياسر بعائلته إلى دمعة تروي قصة طويلة التفاصيل، وحين تتحول أيام عمره لسلسة طويلة من الذكريات المتراكمة.. فاعلم أنك تصف حالة شاب غزي يصارع الأيام برحيل عائلته الشهيدة.
"ياسر محمود الحاج" ابن السادسة والعشرين من العمر وأحد سكان محافظة خانيونس جنوب قطاع غزة ، استشهدت عائلته المكونة من ثمانية أفراد ليكون هو الناجي الوحيد من تلك الجريمة التي ارتكبت أيدٍ إسرائيلية.
التقينا بياسر في زقاق معسكر خانيونس يبصر بعينيه جدارية ليست بعيدة عن ركام منزله ضمت أسماء عائلته الثمانية.
"لم أكن أعرف بأن عالمي الجميل سيرحل" بهذه الكلمات تمتم ذاك الشاب وهو ينظر إلى تلك الجدارية دون أن نعلم قصته، وعند سؤاله عن قصته قال الشاب بلهجة لا تكاد تخلو من ألم ومرارة على فراق عائلته: " أنا ياسر محمود الحاج ابن عائلة الشهيد محمود لطفي الحاج التي استشهدت بالكامل، بعد أن استهدفت الطائرات الإسرائيلية المنزل بصاروخين من طراز (أف16) دون سابق إنذار في ثالث أيام الحرب في العاشر من يوليو 2014.
لحظات لن تنسى
"أيعقل أن تكون بعائلة كاملة من أب وأم وأخ وأخت.. وبلحظة تصبح بلا عائلة"؟ ربما هذه الكلمات دارت في مخيلة ابن الشهداء الثمانية عند سؤاله عن آخر لحظاته مع عائلته.
استوقفنا كثيراَ بدموعه عند سؤاله عن آخر لحظة جمعته بعائلته، لينظر إلى الأفق ويجيب "الوالد بعد صلاة التراويح قرر زيارة جدي وعمي وقرر اصطحاب والدتي وأخواتي وترك الشباب بالمنزل بسبب ظروف الحرب .. وبالفعل ذهب الوالد وأمي وخواتي وبقيت أنا وإخوتي الشباب بالمنزل، ولحظة عودة الوالد طلبت الإذن وخرجت من المنزل للالتقاء بأصدقائي".
ويكمل بابتسامة رُسمت على شفتاه وكأنها أعادته لتلك اللحظة "وخرجت عند أصدقائي وهم لا يبعدون عن منزلنا سوى 500 متر وجلست مع أصدقائي وتحدثنا مع بعضنا البعض ".
وأردف "فجأة أصبح هناك طيران جوي مكثف، وأصبح لدينا النية لأن يغادر كل منا إلى منزله لأن الوضع لا يطمئن ".
وقال "في طريق العودة وعلى بعد 100 متر من منزلنا.. سمعت أصوات قصف قوي هز المكان".. لم يكن يعلم ياسر بأن هذه اللحظة التي وصفها بهذه الكلمات كانت لحظة نهاية حياة عائلته وبداية حياة مأساته.
لحظة الصفر
قال ياسر وهو يغمض عيناه "جريت بالشارع تجاه الدخان والغبار.. ووقفت على مقربة من المنزل المستهدف ودوامة من الشكوك تلتف حولي ولم أستوعب ما حدث في تلك اللحظة..." بكائه وتنهيداته كانت أعلى من أن يسمع صوته وهو يكمل ما حدث.
ليتابع: "وجدت خالي يحمل أمي وهي مبتورة القدم ويجري بها في الشارع.. حاولت اللحاق به لكنني سقطت على الأرض مغمى علي عند رؤيتي لأشلاء متناثرة في الشارع .. تبينت فيما بعد أنها لشقيقي عمر".
" لحقت بأهلي بمستشفى ناصر في خانيونس لأرى أحد منهم .. ولكن لم أجدهم"... وهنا تاهت باقي كلماته مع صوت بكائه وثورة الدموع.
ثم عاد ليسرد تفاصيل استهداف المنزل فقال "كان ذلك في الساعة الواحدة فجراَ حيث استهداف البيت بدون تحذير ولا إنذار... ".
حياتي ميتة
أما عن كيفية تدبر أمور حياته فقال "حياتي ميتة"، ويضيف: "تأتي الأفراح عند أقاربي وجيراني ولا أرى لتلك الأفراح من طعم".
لعل البؤس الذي صاحب وسيصاحب ياسر، لن يندمل بمرور الوقت ولا السنون، فياسر الذي أقدم على الزواج في 26 من فبراير من هذا العام في محاولة ليؤنس وحشته ينتظر مولوده الأول بشغف كبير.
ويُعتبر شهر رمضان الكريم الذي نحياه هذه الأيام هو الأسوأ على ياسر الذي قال "رمضان جاء ليذكرني بحجم الوجع الذي أصابني، ففي هذا الشهر انتهت عائلتي وبقيت وحدي" متمنياَ لو يعود الزمن به إلى الوراء ليرى عائلته لأنه مشتاق لهم بحجم السماء حسب ما قاله لنا.
وفي محاولة أخرى للتعرف على حياة ياسر عن قرب بحثنا عن حسابه الشخصي عبر الفيس بوك، لنتفاجئ بأن حسابه الشخصي مليء بصور عائلته الشهيدة عدا عن الرثاء والذكريات التي يكتبها على حسابه، ولعل هذا يعكس مدى صعوبة أو استحالة حالة ياسر لأن يتأقلم مع وحدته.
وفي ختام الحديث مع ياسر وعند سؤاله عن أمنتيه قال "أتمنى لو أن الزمان يرجع إلى الوراء وترجع إلي عائلتي الغائبة وأستشهد معهم".
إدانة دولية
لجنة تقصي الحقائق الدولية حول المجازر التي ارتكبتها إسرائيل خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة أخذت بعين الاعتبار المجزرة التي نفذتها طائرات سلاح الجو الإسرائيلي على منزل أسرة المواطن "محمود الحاج" بذريعة أنه ينتمي للجناح العسكري لحركة حماس خلال الحرب الصيف الماضي.
ووفقا للتقرير فبتاريخ 10 يوليو2014 قرابة الساعة الواحدة ليلاً أغارت طائرات سلاح الجو الاسرائيلي على منزل محمود الحاج الواقع في معسكر خانيونس للاجئين، حيث أدت الغارتين إلى مقتل أفراد الأسرة الثمانية من بينهم طفلين وثلاثة نساء حيث أدى القصف لتدمير البيت بالكامل كما لحقت أضرار جسيمة بالمنازل القريبة من منزل الحاج، ومن بينها منزل أسرة العثامنه.