لا يفصلنا عن حلول السنة الميلادية الجديدة سوى أيام قليلة، وأتمنى أن تكون السنة التي تنتهي فيها السلبيات والصعوبات وخيبات الأمل، وأن تحمل سنة 2023 النجاح والنتيجة المرجوة، سائلاً الله العلي القدير أن يجعلها سنة خير ورخاء على الجميع، وفي هذه المناسبة أريد البوح بما يجول في أعماق نفسي من تجارب وآمال وآلام:

مع مرور الأيام والسنين لم أفقد الشغف بالكتابة والقراءة، وكنت ولا أزال من هواة القراءة، بل من مدمنيها لو جاز هذا التعبير، وأستمد ثقافتي من الكتاب، وليس من جوجل، وأعتبر الكتاب هو أساس المعرفة، وعنصرها الرئيسي، وأنا قادر على الاستفادة من كل ما أقرؤه، وإن الدارس للحياة يستطيع أن يضع يده على مفتاح أي شخصية من خلال ما يقرؤه، ولهذا، فإن الكراهة الصماء تسد منافذ الفهم.

والدرس الكبير الذي تعلمته في الحياة هو العطاء المستمر الذي لا ينضب، والمشاركة الحية التي لا تتوقف، والتفاعل المستمر الذي لا يغيب، وأردد باستمرار: (ما من شخص نال شرفاً على ما أخذ، فالشرف هو دائماً جائزة لمن يعطي، وما من رجل ضل وهو يسلك الطريق المستقيم).

وإننا نعيش في قطاع غزة واقعاً صعباً على جميع المستويات، ولا تتسع هذه المناسبة لأكثر من الإشارة إلى أننا: (كالطير يرقص مذبوحاً من الألم)، لكن غالباً ما يداعبنا الأمل في غد أفضل، وكما قيل قديماً: (من أجل الورد يجب أن نتحمل الشوك)، لذلك كله، فإن حاجتنا إلى الأخلاق أكثر من حاجتنا إلى أي شيء، ومَن نسي جذوره لا فروع له ولا أزهار، وقد يذكي هذا الفهم أن الإنسان بلا كرامة كالإنسان بلا حياة.

ويدعونا الموقف إلى القول: إن الأدب العظيم لا يزدهر إلا بين الأحرار، ومن الطبيعي أن يكون أهل الأدب في فلسطين من أسبق المواطنين إلى مكافحة الاحتلال الإسرائيلي، ومواجهة الانقسام الفلسطيني، ومواجهة الظلم أياً كان، ذلك لأن الأدب – في أي زمان وأي مكان – من لوازمه الحرية الكاملة، ولا حياة له إلا بها، ولأن الأديب بطبيعة عمله أرهف حساً، وأعمق شعوراً بمضاضة الظلم وآلام القيود، فهو لذلك أسرع ضيقاً وتبرماً بكل ما يعوق انطلاقه، وبكل ما يمس مقدساته من المبادئ والمثل العليا.

وإنني أؤمن أن القيمة العددية ليست ذات شأن في تقدير موهبة الكاتب، وأن الناس مجموعة أذواق، وما يعجب هذا قد لا يعجب ذاك، وأن الكاتب الحقيقي هو مَن ينفع الناس بعلمه، ويتحمّل الصعاب في ممارسة عملية شاقة مضنية، وهي الكتابة، وقد لا يعود عليه من تعبه مردود مادي يذكر، ليتمتع بالإيثار الذي يتيح له الحضور الإيجابي في المجتمع، وإن فرحة الكاتب أو الأديب بأدبه تبهره أكثر من المال، والنشوة التي يبعثها عشق الأدب تذهب دائماً بلب الأديب، فتذهله عن كل شيء، والكاتب الصادق لا يمكن إلا أن يأخذ مكانته السامية في الحياة.

وكذلك، فإن صاحب العبقرية الأدبية لا تبقى عبقريته على الدوام راكدة، يقف انتاجها عند لون محدود تلازمه على مدى الزمن، إنما انتاج العبقري يكون دائماً في تطور وتحول يعكس حقيقة الأديب في صورها المتوالية المختلفة، وعندما يكون الكتّاب كتّاباً بكل ما في هذه الكلمة من معنى، يكون التعاون بين الأدباء صادقاً، والتكامل بينهم منتجاً، حيث لا مجال للحقد، ولا للمنافسة غير الشريفة، ولا مجال للهبوط إلى مستوى الصراع الهدام، والذي يغلب اليوم بين البشر.

المصدر : وكالة سوا

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد