في حياتنا السياسية، لا مجال للحياء والذكاء فقد استبدلا بالفجور وحالة مستفحلة من "الاستغباء" قل نظيرها. الأمثلة في حياتنا اليومية كثيرة وهذه الأيام تكتظ بدلالات هذه الحالة الغريبة ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
1) البلاد تغلي بأخبار قيل أنهاغير مؤكدة عن خلافات وصراعات داخل حكومة "الوفاق" تنفيها الحكومة بشدة ثم ما تلبث أن تسرب أخباراً مفادها أن رئيس الوزراء لم يعد يحتمل العمل مع طاقمه الوزاري أو بعض منه الذي وصفه بالضعف رغم أن هذه الحكومة ومنذ نشأتها لم تتسم إلا بالضعف وغياب الرؤية.. ورغم التسريبات، يستمر الاستغباء وتتوالى البيانات الرنانة وكأن الحال على أحسن ما يرام.
2) تقرر اللجنة التنفيذيةلمنظمة التحرير الفلسطينية، ممثلنا الشرعي والوحيد (شاء من شاء وأبى من أبى) بدء مشاورات لتشكيل حكومة وحدة وطنية تشارك فيها الفصائل وتتحمل ولو لمرة مسؤولياتها كما يجب. ترد حماس بالهجوم كالمعتاد وتطلق ألسنة ناطقيها في جولة سباب عادة ما تتلو أي حدث يعكر صفو أجندة الدردشات الحمساوية الإسرائيلية برعاية تركية.ثم يطل خبر منسوب لقيادي سياسي حمساوي بأن الحركة لا مانع لديها من تشكيل حكومة وحدة شريطة ألا يكون للحكومة برنامجاً سياسياً وأن ترضخ لكل شروط حماس فيما يخص الرواتب والمعابر وغيرها... يذكر أن حماس تعيب على الحكومة الحالية انعدام الرؤية والبرنامج والضعف! ويستمر الاستغباء دونما حياء.
3) حماس تنفي نفياً قاطعاً وجود أي اتصالات أومفاوضات مع إسرائيل برعاية تركية واستعداد قطري للتمويلحول مشروع انفصالي ل غزة عنوانه ميناء عائم وكسر للحصار ومضمونه وأساسه انسلاخ غزة عن الوطن وترسيخ دويلة مسخ تخدم تطلعات تنظيم الإخوان المسلمين وجماعات الصهيونية. ويستمر النفي والاستغباء رغم التقارير والتأكيدات الإسرائيلية والتلميحات الحمساوية. ثم تطل علينا الصحافة التركية لتزيد تأكيد ما بات مؤكداً وتتحدث عن لقاءات تركية-اسرائيلية سرية في روما لتعزيز العلاقات الثنائية وترسيخ الدور التركي في الوساطة بين حماس وإسرائيل لصالح المشروع الانفصالي. ويستمر الاستغباء والنفي دونما ذرة حياء.
4) حماس تتهم الحكومة والرئاسة والفصائل وحتى المواطن بالتآمر على قطاع غزة وعرقلة مسار المصالحة التي تصر حماس أنها هي الحريصة عليها. هذه الاتهامات تكال بلا حياء أو تردد بينما تستمر حماس في اختطاف القطاع وأخذ أهله رهينة وترسيخ الانفصال فعلا ونهجاً. وفي هذا السياق، لا يمكن تجاهل ضريبة العربدة والبلطجة التي فرضتها حماس على المواطن والتاجر، التي لطالما تاجرت بآهاته وعذاباته في ظل الحصار وهي التي أسمتها حماس زوراً "ضريبة التكافل". ضريبة أصر نواب حماس في حديثهم مع التجار أنها تستهدف المواطن وأنهم – أي التجار – يجب ألا يعترضوا عليها! هذه الضريبة التي فرضت خارج القانون والمنطق وبالرغم من أن الضرائب تجبى من الجميع من قبل حكومة التوافق وتنفق على احتياجات الوطن دونما تمييز جغرافي.
5) في ظل الصراخ الأجوف حول الوحدة، يأمر النائب العام الحمساوي في قطاع غزة بإغلاق مقر شركة جوال الرئيسي وذلك بسبب عدم انصياع الشركة للابتزاز المالي ورفضها دفع خاوات تحت أي مسميات في ظل وجود حكومة وفاق. يذكر أن الشركة نفسها عرف عنها محاباة الواقع الانقسامي وأمراء الانقسام قبل اتفاق الشاطئ وكانت المحاباة تتم تحت الطاولة بطبيعة الحال. يذكر أيضاً أن المدعو "نائباً عاماً" كان المفترض أنه ما عاد في منصبه الانقسامي بعد اتفاق الشاطئ. لكن، وفي ظل استفحال الاستغباء، يستمر هذا في عمله لترسيخ الانفصال وتشريع الخاوات لصالح الفصيل الذي ما يزال يعمل لتطبيق مشروع الانفصال.
6) وعلى سبيل تأكيد انعدام الحياء، أمهل المدعو ذاته (مدعي عام حماس) شركة جوال 48 ساعة حتى ترضخ وتدفع الأموال، بينما أعلن النائب الحمساوي "يحيى مرسى" أن حركته تملك البدائل في حال قررت شركة جوال إنهاء عملها في قطاع غزة! واسترسل النائب الموقر بالتأكيد أن الحياة لن تتوقف إذا ما انعدمت خدمة الاتصالات الخليوية في القطاع. بالطيع، لم يذكر النائب الجهور أن سكان القطاع يعلمون أنهم وحدهم سيتأثرون في حال أنهت جوال أعمالها لأن حماس تملك شبكة اتصالات خاصة بها ومحصورة بكوادرها. ومع ذلك، هناك إصرار على استفحال الاستغباء.
7) ثارت ثائرة الناس على الارتفاع الجنوني للأسعار مع بداية شهر رمضان وامتلئ الفضاء الافتراضي بكثير من الاحتجاجات والغضب والمطالبات بحل لهذه الحالة الجنونية. وبعد الصخب الافتراضي، أطل علينا وزير الزراعة يحدد الأسعار ويتوعد المخالفين بينما عقدت القوى الوطنية والإسلامية مؤتمراً صحافياً تعلن فيه عن مهلة 48 ساعة لحل الأزمة، وبينما تدّخل جهاز المخابرات في الموضوع باستدعاء بعض التجار في ظل تصفيق يقرب للتهريج من الإعلام المحلي! لم تفسر القوى السياسية ما علاقتها بأسعار الدجاج وكيف لها أن تجد متسعاً من الوقت لمتابعة هذا الموضوع في ظل الملفات الوطنية الجسام المنوطة بها، ولم يتساءل أحد عن مكان جهاز بثقل المخابرات في أسعار الدجاج في ظل وجود مؤسسات حكومية منوط بها هذه الأمور! ومع انتهاء المهلة، لم تنتهي حالة الاستغباء ولم يتحلى أحد من المتوعدين والمتدخلين ولو بقدر من الحياء.
ويقابل الفجور والاستغباء حالة من السلبية غير المفهومة من قبل الرأي العام تجعل أبطال الفجور والاستغباء يستكينون إلى أساليبهم ويسلمون أن عامة الناس مقتنعون بمنطقهم الأعور وتصرفاتهم المسيرة بالأنانية الحزبية.
مفزع ومفجع أن تتوالى أحداث كالتي وصفت في المقال في ظل حالة شديدة من السلبية التي تساهم بقدر ما في استمرار هذه الحالة التي لا تليق بنا كشعب. فنحن نستحق أفضل من هذا بكثير وواجبنا أن نواجه من يستخف بعقولنا بكلمة حق ووقفة مبدأ.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية