اكتسب تنظيم مسابقة كرة القدم الأولى في العالم والحدث الأبرز كل أربع سنوات في قطر أهمية خاصة هذا العام، واكتسب أيضاً زخماً أكبر من أي مرة تم تنظيم المسابقة الدولية فيها.
في الحقيقة، إن مجرد استضافة دولة عربية لكأس العالم كان حدثاً بحد ذاته، وعكس قوة حضور عربية متنامية في المحافل الدولية استطاعت ترجمة قوة العرب المالية إلى حضور وقوة ناعمة، وهو ما يجب أن نتطلع إليه دائماً.
كانت فكرة أن تقوم دولة عربية باستضافة هذه المسابقة المهمة أمراً مستبعداً، وغير وارد، رغم محاولات عربية كبيرة في الماضي، خاصة من دول عريقة في كرة القدم مثل مصر والمغرب.
أثير نقاش كبير حين تم اتخاذ القرار بأن تقوم قطر بتنظيم المسابقة، وحاول الكثيرون ممكن يكنّون عداء غير مبرر للعرب، وللحضور العربي، التشكيك في نزاهة القرار، وفي قدرة الدولة التي وقع عليها الاختيار على القيام بما هو مطلوب من أجل أن يكون الحدث لائقاً، وجرت محاولة ذر الرماد في العيون للضغط على الفيفا من أجل وقف القرار.
وربما لم تكن مفاجأةً قدرة قطر على تنظيم كل ما هو مطلوب بشكل أكثر من المتوقع، للدرجة التي فاجأت حتى من كانوا يدعمون تنظيم قطر للمسابقة. الجميع أخذ ينظر بإعجاب لكل مرحلة من مراحل تنظيم المسابقة. لذلك فإن أهمية هذه الدورة بدأت مع ميلاد القرار الذي ارتبط بقطر.
وبشكل متزايد، إن مونديال قطر كل يوم يكتسب أهمية أخرى تضاف إلى سجل الإنجازات والمفاجآت الذي ارتبط بتنظيم المونديال الأول في المنطقة العربية. وربما لم تكن صدفة أن يتم منح دولة عربية تنظيم المونديال؛ إذ إن ما قامت به قطر من جهود، والشكل الذي تم إخراج المونديال به، يحكيان عن إمكانيات وقدرات عربية هائلة يمكن توظيفها في الكثير من المناسبات الدولية. ولنتذكر مثلاً قدرات دولة فلسطين في قيادة مجموعة الـ77 في الأمم المتحدة، والنقلة النوعية التي أحدثتها في دور ومكانة هذه المجموعة وتوسيعها وتعزيز دورها.
ما أقوله: إن مثل هذا الحضور العربي في المنظمات والنشاطات الدولية يجب أن يتوسع من أجل توسيع انخراط العرب عالمياً. ثمة حاجة لتظهير القوة الناعمة العربية وزيادة العمل عليها بما يكفل زيادة تأثير العرب في السياسة الدولية. هذا لا يعفينا من البحث عن سبل تطوير قوتنا الخشنة كعرب، خاصة القدرات النووية التي قلنا في غير يوم على هذه الصفحة: إن العرب هم العرق الوحيد بين الأعراق الكبرى في الكون الذين لا يملكون قدرات نووية، أو أنهم عاجزون عن توظيفها عند الحاجة. ما أشير إليه هنا هو القوة الأخرى التي قد يرغب البعض بالعمل عليها بدلاً من العمل على القوة العربية الخشنة. وأياً كان الحال، إن العمل على القدرات العربية في كل مجال أمر مطلوب ويجب السعي إليه. نعم نحن بحاجة لقوة عربية ناعمة وأن نزيد من تأثيرنا في العالم. في لحظة معينة سيزول الفرق في القدرات، وستصبح القوة بكل أشكالها متساوية، وهذا مصير العلاقات بين الدول، خاصة مع ظهور عوامل قوة أخرى، وكذلك ظهور قوى غير الدولة تمتلك الأسلحة الفتاكة، وتطور النانو وسلاح النانو الذي يمكن تطويره عبر برامج على الحاسوب الشخصي، وهذه مسألة أخرى.
إن تطوير العرب لقدرتهم الناعمة جزء من السعي العربي وراء تطوير القدرات العربية، التي تمكن العرب من زيادة حضورهم وتأثيرهم في السياسة الدولية. نحن بحاجة لأن نزيد من حضورنا في كل مكان بالعالم حتى يصبح هذا الحضور أساسياً.
مونديال قطر كان قوة العرب الناعمة، وسيظل لزمن طويل يعيد تذكيرنا بهذه القوة التي يمكن أن نعمل عليها. لاحظوا حتى حين يتم تنظيم المونديال في المنطقة العربية، فإن نشاط الفرق العربية المشاركة يختلف. تذكروا أن السعودية هزمت الأرجنتين رغم خروجها المؤسف من الدور الأول وكانت تستحق التأهل، وتونس التي هزمت فرنسا رغم خروجها المؤسف أيضاً، والمغرب التي تأهلت بأكثر من جدارة للدور الثاني، والدولة المضيفة قطر التي خرجت بشكل ملفت ربما لأن هذه أول مشاركة لها في كأس العالم.
وبشكل عام، إن المونديال بدا أكثر رحابة من حيث النتائج من كل المونديالات السابقة؛ فثمة نتائج غير متوقعة للكثير من الفرق، مثل أن تخرج ألمانيا، أو أن تهزم الكاميرون البرازيل.
وربما كان هذا المونديال الأكثر تسييساً، وربما ساعدت استضافة دولة مثل قطر له على هذه الديمقراطية الرحبة في السياسة الرياضية. وكما قالت صحيفة برازيلية: إن فلسطين هي الدولة رقم 33 في المونديال؛ فقد كانت حاضرة في كل مباراة، وكان علم فلسطين وسيظل جزءاً من الطقس الكروي مثل صافرة الحكم. وفي كل مباراة كان يتم رفع علم فلسطين حتى باتت المباراة التي لا يكون علم فلسطين واضحاً بشكل كبير في مدرجاتها مباراة ناقصة، وفيها خطأ ما.
كانت فلسطين دائماً موجودة وبقوة، وكانت تلعب حتى لو لم يكن هناك فريق فلسطيني.
أيضاً أخبرنا مونديال قطر بما كنا نعرف، ولكننا نخاف أن نكون مخطئين بشأنه. لا يمكن للعرب أن يطبّعوا مع من سرق درة تاجهم: فلسطين. لا يمكن لأي قوة أو لأي اتفاق أو لأي معاهدة أن تجبر عربياً على القول إن هذه البلاد ليست بلاد أجداده وأهله. النفور الذي كانت تقابل به الصحافة الإسرائيلية في شوارع المدن القطرية، ومدرجات الملاعب المختلفة، لم يكن فقط سياسياً بل أخلاقياً أيضاً، فلا يمكن لك أن تقتل وتذبح وتهجّر الناس ثم تقدم نفسك بوصفك إنساناً متحضراً تحب الكرة. أن تحب الكرة لا يعني أنك حضاري، وأن الناس يمكن لها أن تنسى وتتجاهل كل ما تعرض له الشعب الفلسطيني منذ أكثر من سبعة عقود من مذابح ومحارق وتهجير، واقتلاع وقتل وجرح وسجن. كان هذا استفتاءً جديداً على الحق الفلسطيني.
شكراً لمونديال قطر لأنه كان أكثر من مسابقة كأس عالم.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية