أعادت الجهود الرامية لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية، الأمور، لإعادة النظر بالمشاركة السياسية الفلسطينية، في صنع القرار الوطني المستقل. لعله من نوافل الكلام، بأن المشاركة السياسية، منقوصة، وتشوبها شوائب شتى، أبرزها نشوء قوى فلسطينية، غير مشاركة سياسياً، وأبرزها القوى الإسلامية، وهي قوى يعتبرها الجميع، جزءا من النسيج الاجتماعي والاقتصادي الفلسطيني، ولها حجومها السياسية.
تعود بي الذاكرة، إلى فترة العام 1969، بعد استقالة رئيس أول لجنة تنفيذية لـ م.ت.ف أحمد الشقيري، وبدء الفصائل المسلحة بالتشاور لإعادة بناء وتشكيل م.ت.ف، من حَمَلَة البنادق.
دارت حوارات جدية، ما بين الفصائل جميعها، لبلورة مشاركة سياسية واسعة في قيادة المنظمة وهيئاتها. ولم يستثن أحد على الاطلاق، مهما بلغ حجمه أو شأنه. تمخضت تلك الحوارات، عن اتفاق ما بين الفصائل، وهو الإنابة الثورية، والكوتا، وكل حسب حجمه.
الآن، تغيرت الصورة، هناك فصائل سادت ثم بادت، وهناك فصائل تضاءل حجمها بعد أن كانت بمستوى الفصيل الثاني والثالث.. وهناك قوى نشأت وتعاظم حجمها ودورها، ولكن للأسف لم تشارك في الاطار الوطني الفلسطيني العام.. البيت المعنوي للفلسطينيين جميعاً، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، منظمة التحرير الفلسطينية.
حدثت تقاربات سابقة، لكنها لم ترق إلى مستوى المشاركة الفعلية والعملية بالقرار الوطني الفلسطيني.
ما أحدثه الانقسام الفلسطيني، كان ولا يزال خطراً على الكيانية السياسية الفلسطينية برمتها، ولا بد من إيجاد طرائق تكفل للجميع مشاركة سياسية، وإسهاماً واضحاً في صنع القرار... قد تكون هناك مصالح فئوية تقف وراء ذلك، ولكن تلك المصالح، إن نجحت بتكريس التباعد، وعدم المشاركة، فسيكون ذلك، وبالاً على الجمع، على الكيانية السياسية برمتها، وعلى الفصائل التي تقف وراءها.
عدم المشاركة السياسية، يعني عملياً وبعيداً عن المجاملات نهجاً يقود إلى الدكتاتورية.. الدكتاتورية العسكرية والأمنية، وقمع الآخر، تكريساً للجهل والفئوية والشمولية في آن. هنالك أطر للمشاركة السياسية تكرست عبر سنوات الكفاح الوطني بدءاً من 1969 وحتى العام 1993 عملياً.. تكرست سبل ووسائل ومناهج للمشاركة، صحيح أنها قائمة على نظام الكوتا والإنابة الثورية، لكنها أسس تصلح للبناء عليها، عبر تجديدها وتطويرها، وصولاً لإطار حديث ومتجدد لـ م.ت.ف المسألة تحتاج إلى اتفاق وطني شامل، حول نقاط عمل مشتركة، تصلح لإحداث نقلة نوعية، تقود المجتمع الفلسطيني، نحو المشاركة الفاعلة، للجميع، مشاركة في ظل الخلاف، وتكون قادرة على إيصال المجتمع الفلسطيني، إلى بر الانتخابات العامة، التي سيكون بها المواطن الحكم والفيصل، وعلى ضوء نتائجها، سيبدأ الفلسطينيون مشواراً آخر، يشارك به الجميع، وتتجدد فيه الهيئات القيادية برمتها.
هنالك تساؤل عريض مرسوم في الأفق الفلسطيني، وماذا بعد... هل سنتمكن حقاً من الوصول إلى نقاط عمل مشتركة، وهي متوافرة في ظل اطار الائتلاف والاختلاف، وجعل المصلحة الوطنية العليا، فوق الجميع، أفراداً وفصائل وقوى.
لا مكان لليأس في محاولة الإجابة عن تساؤل كهذا، لأنه تساؤل مصيري ووجودي.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية