102-TRIAL- في أول رد فعل للإدارة الأميركية على الانتصار الخاطف الذي حققته الميليشيات العربية / السنية على قوات حكومة المالكي الشيعية في العراق، اعتبر المسؤولون الأميركيون، ما حدث يهدد مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، ورغم أن هذه العبارة، باتت، ومنذ وقت طويل جملة متكررة في الخطاب السياسي الأميركي، إلا أنه، آن الأوان لأن نتساءل، عن معناها ودلالتها، حقا، ماذا تعني المصالح الأميركية في المنطقة بالتحديد، وهل يحق لأصحاب القرار الأميركي، من إدارة ومؤسسة عسكرية وأمنية، فقط، ان يحددوا معنى هذه العبارة، ثم هل يحق أصلا لأميركا أن تكون لها مصالح خاصة في هذه المنطقة، تتعاكس مع مصالح دولها وشعوبها، والأهم من كل ذلك، هل يحق لأميركا، بل هل يجوز لها، أن تشن حروبا، أو أن تشارك في حروب، من أجل ما تسميه او تعتبره مصالحها في المنطقة.
ولو تعاملنا مع هذا المنطق، وفق منطقه، وفقط عاكسناه، أو قلبناه على وجهه الآخر، وهو إذا كان الأميركيون يقولون بان لهم مصالح في المنطقة، تحتم عليهم ان يحافظوا عليها، بالطريقة أو بالشكل الذي يرونه مناسبا، أليس بالمقابل، لدول هذه المنطقة مصالح في أميركا، بل وفي الولايات المتحدة نفسها، فهل يحق لهم ان يدافعوا عنها بما يرونه مناسبا، فإذا كان من حق أميركا أن تشن حربا على العراق، وأفغانستان، وقبل ذلك على فيتنام، وان تذهب بعيدا الى ما وراء البحار والمحيطات، ألا يحق لشعوب هذه الدول أن ترد على أميركا، بفعل، هو من جنس العمل، هل يمكن لنا أن نفكر في يوم "تغزو فيه جماعة ما ولاية أميركية ما بحجة ان لها مصالح فيها، ثم أليس لأميركا مصالح في روسيا، الصين، أوروبا، فلم لا تجرؤ على التدخل هناك؟! 
وبسبب من التشابه بين الولايات المتحدة وإسرائيل، فإن إسرائيل، سارعت الى اعتبار ما حدث في نينوى، صلاح الدين وديالى، أمرا يهدد امنها، وانه يثبت حاجتها للاحتفاظ بغور الأردن، من أجل توفير العمق الإستراتيجي لأمن إسرائيل، وبالطبع إسرائيل اعتادت، ومنذ وقت طويل، على ذكر أمنها، دون أن تحدد معناه بالضبط، لكنها تجعل من المعنى أمرا فضفاضا، حتى تصد كل محاولات التوصل لحل وسط سياسي مع الجانب الفلسطيني، عموما، فإذا كانت إسرائيل " تتحوط " لأسباب أو لدوافع أمنية، من أن تمتلك إيران السلاح النووي، بل وتحمّل الفلسطينيين وزر أن تظهر قوة مناوئة لها في "أندونيسيا" بعد ألف سنة، بحجة الحفاظ على أمنها، يظهر فورا سؤال واجب، ماذا عن أمن الفلسطينيين، والآخرين، في عموم المنطقة، أليس من حقهم " تجريد " إسرائيل من سلاحها النووي، بل ومن كل أسلحة الدمار الشامل، ومن كل أسلحة الهجوم المتطورة التي تمتلكها، وتوفر لها امكانية شن حرب جوية على إيران، بل وتصل، الى اي مكان في القارات الثلاث؟! 
أليس من حق الفلسطينيين، ان يوفروا الأمن لأطفالهم، وان يتحرروا قبل ذلك، من كل مظاهر الاحتلال الغاشم، والذي ليس قبله ولا بعده، إرهاب ولا عنف ولا قهر بشري أو إنساني؟ وبمناسبة، ما يشاع عن خطف ثلاثة مستوطنين إسرائيليين، في منطقة الخليل، والرد الإسرائيلي العنيف والإرهابي، متعدد الأشكال والصور، نقول : أولا _ أن القصة تتعلق بخطف، وليس بقتل، مستوطنين، وليس مواطنين إسرائيليين، والسؤال، ماذا يفعل هؤلاء المحتلون في بلادنا، يا سيد نتنياهو، أليس الأجدر بك أن تسحبهم جميعا، وفوراً، من بلادنا التي تحتلها منذ نحو خمسين سنة، أليس وجود هؤلاء، في هذه البلاد، أمراً غير مشروع ولا شرعي، أليس وجود الاستيطان والمستوطنين، في كل الضفة الغربية و القدس ، إنما هو وجود احتلالي غير مشروع، ثم هو عقبة في طريق أمن وسلام المنطقة ؟!
متى يعود الوعي للإسرائيليين، وخاصة حكومتهم، وتدرك، بان إغلاق طريق التسوية، والاستمرار في اضطهاد الفلسطينيين، باحتلال أرضهم أولا، وثانياً، بمنعهم من تحقيق تطلعاتهم وأحلامهم في إقامة دولتهم المستقلة، على جزء من أرضهم التاريخية، وما يحتويه ذلك الملف من مظاهر القهر اليومي، من الاعتقال العشوائي، وحتى لمن يقاوم الاحتلال (ولو كان لديهم عقل لمنحوا كل من يقاوم وساماً من الدرجة الأولى، لأنه يحررهم هم أيضا من نزعة الاحتلال، التمييز والتطرف) الى حجر الحركة والتحرك، وحجر تطور الاقتصاد وحرية العباد، كل ذلك يدفع الفلسطينيين للمقاومة، وللاحتجاج والثورة؟ 
سبق لنا وأن حذرنا، مرارا وتكرارا، من أن إغلاق نوافذ الأمل بوجه الفلسطينيين، وبقاء الاحتلال كل هذه السنين الطويلة، لن يمر دون انفجار، خاصة وان الفلسطينيين يرون ويتابعون، العين التي تناطح المخرز في كل دول المحيط العربي، وحيث إن إضراب المعتقلين قد دخل أسبوعه الثامن، دون ان تبدي حكومة نتنياهو المتطرفة، أية بوادر للاستجابة لمطالب عادلة جدا، بإلغاء الاعتقال الإداري، الذي يقره احتلال غير شرعي أولاً، وثانياً بحجة أنه للحفاظ على "الأمن" وفق ما يفسره الضابط العسكري الإسرائيلي. 
من الطبيعي، إذا أن يفكر أبناء وأخوة وأهل وأصدقاء المعتقلين بوسيلة لإطلاق سراحهم، ومن الطبيعي ان يلجأ الشعب الفلسطيني لكل الوسائل ليتحرر من الاحتلال الإسرائيلي، وهو بذلك لن يفكر _ ولو للحظة _ لا في "مصالح أميركا" ولا في "أمن إسرائيل" ومن الضروري، أن لا يفكر في ثقافة التمييز بين البشر، والتي كانت أبجدية الثقافة الفاشية، التي ما زلت تطل برأسها، في الأوساط الإسرائيلية وبعض دوائر اتخاذ القرار الأميركي، للأسف! 
Rajab22@hotmail.com 129

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد