في غياب الانتصارات، وفي ظلّ التشرذم، وزمن الانحطاط العربي وضعف الوعي بمصالح الأمّة، يبحث الإنسان عن لحظة فرح، ويختار البعض تغييب الوعي الذاتي لبعض الوقت من خلال متابعة الألعاب والمسابقات الرياضية وأهمها استقطاباً كرة القدم، أو من خلال لعب الورق، أو ممارسة بعض الهوايات.
كبشر نحن، الفلسطينيين، نتمتع بحساسية عالية، إزاء أي لحظة فرح، أو إنجاز، خصوصاً حين يدغدغ انتماءها للأمّة العربية.
مونديال العالم في قطر، والنجاح الباهر في توفير كل عوامل الراحة للفرق المتنافسة، وللمشجعين، والفرصة التي أتاحها المونديال، لمن ينظرون للعرب بفوقية، لكي يطلعوا على الإنسان العربي، قيمة وثقافته وحضارته وانتمائه العميق للإنسانية، هي فرصة نادرة، اخترقت تابوهات التنظيم العروبي لكرة القدم «الفيفا».
أربعة فرق عربية، اثنان من آسيا: قطر والسعودية، واثنان من إفريقيا: تونس والمغرب، تترك لدى الإنسان الفلسطيني شعوراً بالفخر، وتستنفر رغباتنا العميقة، بفوز هذه الفرق، أو بعضها على الأقل، في الوصول إلى مربعات متقدمة من المنافسة، حتى لو كنّا ندّعي دعمنا للعب الجيد.
لا أظنّ، ولا نعتقد أنّ أيّاً من الفرق العربية المشاركة، يتملكه شعور بإمكانية الفوز بالمركز الأول، أو الثاني، في ضوء الفوارق الكبيرة في المستويات، ولكن تكفي المشاركة والمحاولة.
ونحن نتابع المباريات يحدونا الأمل بأن يكون المنتخب الفلسطيني (الفدائي) وقد نجح في الترشُّح للمونديال القادم، أو الذي يليه، فالفلسطيني لا تنقصه الإرادة ولا يكفّ عن المحاولة.
قد تكون الإمكانيات المتوفرة محدودة لـ(الفدائي) لكنه يستطيع أن يجسر الهوّة، بإرادة تفوق إرادات الآخرين بما أن حقل الرياضة، واحد من حقول النضال من أجل التحرّر الوطني.
الفريق السعودي، قدم للفلسطينيين، وللفرق التي تنتمي إلى ما يعتبره الغرب شعوب العالم الثالث، مجموعة من العبر والدروس، التي تمتد تداعياتها للسياسة.
لم يكن فوز الفريق السعودي على الفريق الأرجنتيني بهدفين لهدف مجرد صدفة، أو ضربة حظ. كان ذلك الفوز مفاجأة المونديال والتي ستحفر صفحة في كتاب تاريخ الرياضة العالمية.
الفريق الأرجنتيني، واحد من أبرز الفرق المرشّحة للفوز بالكأس إلى جانب البرازيل، وفرنسا، وألمانيا، فهو فريق النجوم الذين يشكلون أعمدة الفرق والأندية الأوروبية.
باستثناء حارس المرمى، فإن عشرة لاعبين دوليين يتقدمهم ليونيل ميسي الأسطورة، الذي أحرز سبع كرات ذهبية، والعديد من الجوائز، تعثروا في مواجهة الفريق السعودي، الذي بالكاد يحظى أحد لاعبيه بالشهرة.
تذكّرنا هذه الواقعة بخطأ ما تعلّمناه في المدارس، من أن «واحد زائد واحد يساوي اثنين»، فالمعادلة لا تقف على هذه المعادلة. عشرة نجوم لم يحرزوا سوى هدف واحد من ركلة جزاء حققها ميسي بينما أحد عشر لاعباً سعودياً أحرزوا الانتصار بهدفين، فما الذي جرى؟
بالمناسبة، أنا أحد المتابعين للمنافسات التي تجري في الدوريات الدولية ولا أُتابع الدوريات العربية، لم أقتنع ولا مرّة، بأن الهدف الذي يتمّ إحرازه من ركلة جزاء يستحق الاحتفال والشعور بالتفوّق.
الفريق السعودي قدم درساً أوّل في قوة الإرادة والدافع، للفوز بالمنافسة، ومقارعة الكبار، والإطاحة بمشاعر الفوقية لدى من يعتقدون أنهم يحتكرون هذه الرياضة.
لقد جاء ميسي ورفاقه إلى ملعب المباراة، وهم يعتقدون أنهم سيحققون فوزاً سهلاً على فريق لم يدخل نادي الكبار.
مدرب فريق الأرجنتين، على الأرجح أنه لم يكلّف نفسه عناء إخضاع الفريق السعودي للفحص، وتحليل نقاط القوة ونقاط الضعف.
الفريق السعودي غامض بالنسبة للفرق الكبرى، لكن تلك الفرق مكشوفة ومقروءة بالنسبة للفريق السعودي وفريقه الفني. ألا يشكل هذا درساً بليغاً في عالم السياسة والصراع والكفاح من أجل حماية المصالح وتحقيق الطموحات.
الحضور الجماهيري الكثيف الذي حضر للملعب، كان مهماً في تحفيز اللاعبين والضغط عليهم لتحمّل المسؤولية. ثمانية وثمانون ألفاً، كان قوام الحضور الجماهيري في الملعب، أُراهن أن العرب من بينهم يتجاوز عددهم السبعين ألفاً، ساندوا فريقهم العربي، متجاوزين المواقف والخلافات التي تتعلق بالسياسة وهمومها.
من لا يقيم وزناً للجماهير ودعمها في أي معركة، لا بدّ أنه يقع في خطأٍ جسيم، حيث تتضاءل قيمة ودور الأفراد. ميسي أسطورة، ويقود فريقاً من النجوم الكبار، وهو يملك مواهب عظيمة في كرة القدم، لكن الاستهتار بالآخرين، وغياب الدعم الجماهيري يفقدانه كل مهاراته وقدراته الشخصية.
الفريق السعودي عمل بانسجامٍ كبير، بين اللاعبين، لأنه فريق وطني، حاضر في كل مناسبة كروية، بينما يتم تجميع لاعبي الفريق الوطني الأرجنتيني، من النوادي التي يلعبون فيها، ويحتاج تحقيق الانسجام والتكامل بينهم إلى وقتٍ وجهد.
من المرجّح أن ينجح الفريق الأرجنتيني مع الفرق الكبرى، لأنها هي الأخرى، تتشكل من لاعبين، ينتشرون في نوادٍ كثيرة.
أما الدرس الآخر المهم، فإنه يتعلق بعملية تحضير اللاعبين بدنياً وصحياً، وقد تمتع الفريق السعودي، باللياقة البدنية من الدقيقة الأولى حتى نهاية المباراة.
أبدع الفريق في اعتراض وافتكاك الكرة، وفي التمريرات البينية، كما لا يمكن إلّا أن نشيد بأداء حارس المرمى حيث أبدع في التصدي أكثر من مرّة، لأهداف كانت محقّقة.
أخيراً، الفريق السعودي، كان يتحرّك ككتلة واحدة نشطة في مختلف أنحاء الملعب، والأهمّ أنه امتلك الجرأة في الهجوم دون تحفُّظ.
تلك قاعدة مهمة، ذلك أن الهجوم أفضل وسيلة للدفاع. بقي أن نشير إلى أن عديد الإسرائيليين، أظهروا شماتة بالفريق السعودي بعد أن سجّل ميسي هدفه من ركلة جزاء، فهل يستفيق العرب عموماً على وعي طبيعة وعنصرية الكيان الصهيوني والدولة الاستعمارية التي تمارس الفوقية والأنانية ولا ترى في العرب إلّا نفطاً وغازاً، ومستهلكين لمنتجاتهم؟
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية