احتفل الفلسطينيون في مختلف أماكن تواجدهم بإعلان الاستقلال لدولة فلسطين، الذي صادف أمس، بعد مرور 34 عاماً على إعلان الجزائر. ورغم كل الظروف الصعبة التي مر بها الشعب الفلسطيني منذ ذلك الوقت، لا يزال هذا التاريخ يحتل موقعاً مهماً في الذاكرة وفي الواقع السياسي الراهن. والآن وبعد مرور كل هذا الوقت وبعد مجمل التغيرات التي شهدتها المنطقة بما فيها الساحتان الفلسطينية والإسرائيلية، خصوصاً بعد الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، وعودة بنيامين نتنياهو مع ائتلاف اليمين المتطرف والعنصري في إسرائيل يبقى السؤالان: أين نحن الآن من تجسيد حلم وهدف الدولة الفلسطينية المستقلة على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967؟ هل اقتربنا من تحقيق هذا الهدف أم أننا نراوح مكاننا أو حتى نبتعد عن رؤيته؟
الإجابة عن هذا التساؤل يمكن أن تكون سريعة وسلبية نظراً للواقع الذي نعيش، ولكن من المفيد اليوم تحليل الأمور بعقل بارد بعيداً عن الانفعالات العاطفية، وذلك حتى نستطيع تقييم الأمور والتفكير فيما يتوجب علينا أن نفعله، إذا كانت هناك إمكانية أو رغبة حقيقية وإرادة في التقدم والوصول إلى الهدف الوطني الأكبر.
لتحقيق هدف إقامة دولة فلسطينية مستقلة يجب توفر عنصرين رئيسين: الأول التخلص من الاحتلال، والثاني ممارسة السيادة والحكم على الأراضي التي تعود للدولة، ولهذا ينبغي أن تكون هناك مؤسسات سلطوية تنفيذية وتشريعية وقضائية تمارس الحكم بشكل صحيح كأي دولة سيادية مستقلة ومعترف بها. وفيما يتعلق بالعنصر الأول، في الواقع، يتكرس الاحتلال أكثر فأكثر في الضفة الغربية المحتلة وفي القلب منها القدس الشرقية. ولا يوجد هناك أي مؤشر على رغبة أو نوايا إسرائيلية لإنهاء الاحتلال أو حتى تحجيمه، أو مجرد التفكير في واقع ما بعد الاحتلال. والسياسة الإسرائيلية السائدة مع اختلاف الحكومات منذ العام 2000 تعمل على تكريس السيطرة الإسرائيلية على الضفة المحتلة، من خلال المشاريع الاستيطانية المكثفة التي تشمل مصادرة الأراضي، وتوسيع البناء الاستيطاني، وإقامة بؤر ومستوطنات جديدة، وتوسيع صلاحيات وسلطة الإدارة المدنية وتقليص دور السلطة وسيطرتها حتى في مناطق (أ) التي هي حسب اتفاق «أوسلو» تحت السيطرة المدنية والأمنية الفلسطينية. هذا عدا توسيع نطاق الاجتياحات والقتل والقمع الاحتلالية التي تجري على مدار الساعة.
من يراقب السياسة الإسرائيلية الراهنة يدرك دون أدنى شك أن وجهة إسرائيل هي الاحتفاظ باحتلالها للضفة وتهويد القدس الشرقية بالكامل، وعدم السماح بأي حال بقيام دولة فلسطينية، بل بذل كل جهد ممكن لقطع الطريق على حل الدولتين الذي تتبناه نظرياً بعض الأوساط الإسرائيلية. وعليه يمكن القول: إننا من ناحية العلاقة مع دولة الاحتلال ابتعدنا كثيراً عن فكرة التسوية السياسية التي يتحقق فيها استقلال فلسطيني ناجز. ولا يوجد أفق اليوم أبداً للبحث في هذا الموضوع مع حكومة تعلن مركباتها المختلفة أنها تعارض بشكل تام قيام دولة فلسطينية، وبعضها يطالب بضم الضفة وتطبيق القانون الإسرائيلي عليها.
ومن ناحية الوضع الداخلي الفلسطيني، نحن في تراجع كبير وخطير عن إدارة البلاد كنظام سياسي موحد بسبب الانقسام الحاصل بين الضفة الغربية التي تخضع للسلطة الوطنية، وبين قطاع غزة الذي هو تحت حكم حركة « حماس » منذ العام 2007. وللأسف لا توجد بوادر لإنهاء هذا الانقسام وتوحيد المؤسسات السلطوية التي باتت تعاني من تدهور كبير في الإدارة بسبب غياب المجلس التشريعي والرقابة على السلطة التنفيذية، وعدم وجود فصل حقيقي بين السلطات في شقَّي الوطن. وبالتالي فالجاهزية الداخلية للحكم غير مكتملة، ويشوبها الكثير من المثالب وتشهد تراجعاً كبيراً، الأمر الذي يقلص مساحات ثقة المواطنين بالسلطة، وكذلك ثقة المجتمع الدولي بما في ذلك الدول المانحة والمؤثرة. وفي هذا الإطار نحن في تخلف كبير حتى عما كان لدينا حتى العام 2000.
الشيء الوحيد الذي نتقدم فيه هو في مستوى الدعم الدولي لحقوق شعبنا، والقرارات الأممية التي تصدر تباعاً لتكريس هذه الحقوق، وازدياد التوجه نحو محاسبة إسرائيل على احتلالها بما في ذلك في المحكمة الجنائية الدولية. ولكن الطريق لا تزال طويلة جداً لتغيير التعامل الدولي مع إسرائيل إلى مستوى ممارسة ضغوط جدية عليها. صحيح أن حكومة يمينية متطرفة في إسرائيل ربما تساعد في الجهود الدولية، ولكن الوضع الفلسطيني الداخلي هو بلا شك معيق حقيقي في الطريق لتحقيق الاستقلال الوطني.
ودون وحدة وطنية، خاصة على صعيد مؤسسات السلطة والحكم، لن يأخذنا العالم على محمل الجد وسيتأخر ويتأثر سلباً تقدمنا نحو هذا الطموح الكبير. وهذا يلقي مسؤولية كبيرة على كل الجهات السياسية الوطنية والنخب المجتمعية لتدارك هذا الوضع الكارثي، والمسارعة إلى إنهائه، والتفكير بأفق إيجابي ووطني نحو تحقيق الأهداف المشروعة لشعبنا.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية