تستوقفني كما غيري الصور الذي يظهر فيها بعض زملائنا الصحفيين أو تلك التي يصورونها بأنفسهم، وأستغرب كما غيري حجم وكمية ال show في تلك الصور، مع قناعة ولدتها خبرة تفوق العقود الثلاثة عن حجم ومستوى "الفبركة" في الصورة، سواء تعلق الأمر بالطبيعة أم بأحوال الناس، لكن المؤلم حقاً هو استغلال البعض لمعاناة الناس حتى يتمكن من نشر صوره بصورة تبدو معها درجة "التراجيديا" عالية، أو الإصرار على مشاهد بعينها تجعلنا نعتقد جازمين أنها ما وضعت في هذا القالب إلا لتكريس "حرفية" المصور الصحفي ولو على حساب معاناة الناس وآلامهم.
لا يختلف اثنان على أهمية ودور الصورة في توصيف الواقع ونقل الحقيقة، ولا يختلفان كذلك على أنه من حق الصحفي والمصور الصحفي أن يبحث عن "مجده الشخصي"، ولكن هل من المسموح، أخلاقياً وقيمياً ومهنياً، أن تكون هذه الشهرة اللحظية والآنية على حساب الجودة والأصالة والانتصار للحقيقة وإنصاف الموضوعية؟، وهل أن البحث بين ركام الهم والأحوال المعيشية الصعبة يتطلب أن نزيد المشهد إبهاراً من خلال عرض أشياء غير لائقة أو أشياء لا ينبغي لها أن تظهر في الصورة أو أشياء تقتحم خصوصيات الناس أو تأتي على تفاصيل ما كانت حاضرة لو التدخل الشخصي والمباشر من مصور الصورة؟، كل هذه تساؤلات نعتقد أنها محقة عند الخوض فيما يقدم عليه البعض من الزملاء بحثاً عن صورة تحصد جائزة أو تلقى إعجاباً من الجمهور.
في زمن الانتفاضة الأولى قرر وزير الثقافة الفرنسي أن يزور أحد مخيمات اللاجئين في قطاع غزة ، وعرف الناس أنه سيأتي، وحددوا منزلاً يتوجب على الوزير زيارته، وبسرعة أخرجوا من المنزل أنبوبة البوتاجاز وغسالة الملابس والثلاجة، ووضعوا نفايات على باب المنزل وألبسوا الأطفال في المنزل ملابس بالية ومتسخة، وجاء الوزير وزار المنزل وشاهد كل ما فعلوه، ونطق بعبارة ينبغي أن نعيد قراءتها كل يوم، قال "أن تكون تحت الاحتلال وأن تكون حياتك قاسية لا تمنحك الحق في ألا تكون نظيفاً"، وبالتالي انهارت رغبة البعض في زيادة جرعة التعاطف مع قضيتنا بسبب أننا لم ننقل الواقع على صورته الحقيقية وهي صورة كانت بالتأكيد ستنصف شعبنا وقضيته العادلة.
لو كانت الصورة هي المعبر الوحيد عن الحقيقة وهي الناقل الحصري للموضوعية، لكانت صورة الجندي الإسرائيلي الذي يساعد عجوزاً فلسطينياً على كرسي متحرك هذا الأسبوع وصولاً إلى الحرم القدس ي الشريف هي الصورة الأمثل للتعبير عن "إنسانية الاحتلال" وعن ذروة المشاعر الفياضة عن جنوده، والأدهى من ذلك أنه كان عجوزاً يلبس كوفية وعقالاً، ومع ترسخ الصورة الذهنية للكوفية والعقال الواردة في دراما رمضان، مثل حارة اليهود والفدائي وغيرها، لكانت قد نقلت انطباعاً أننا يمكننا أن نتعايش مع وجود المحتل في القدس على الدوام، وهذا مؤشر خطير على معنى ودلالة الصورة التي شاهدناها جميعاً، ولم تنقل لنا العدسات في ذلك اليوم صورة الجنود وهم يضربون زوار الأقصى ويمنعون دخول المصلين إلى باحات الحرم، لذا يتوجب علينا الحذر ويقتضي الأمر منا التنويه، وإن لم نفعل ضاعت مهنيتنا في زحمة البحث عن النجومية.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية