مع بدء فصل الشتاء للعام 2022م، تكررت مشاهد الغرق التي رأيناها في أعوام سابقة في مختلف أنحاء قطاع غزة ، والتي طالت المنازل والشوارع والمرافق العامة، وعطلت المصالح الحياتية للمواطنين، إضافة لحالة الترهل والإنهاك التي تعاني منها البنى التحتية التي أكدت أنها غير قادرة على مواجهة مثل هذه الموجات الباردة، والتي للأسف لا ترتقي لوصف «المنخفض» بشكلها الحالي.
كالعادة، مع بداية كل شتاء، تُصدع رؤوسنا بلديات غزة بتصريحاتها الغير واقعية أنها تبحث آلية التعامل مع أي منخفضات جوية تضرب القطاع، والتي كان أخرها ما صدر عن لجنة الطوارئ في بلدية غزة في شهر أكتوبر الماضي، هذه التصريحات التي نجد ما ينفيها خلال مراقبة الميدان وتزايد مشكلات وأضرار المواطنين إزاء تساقط الأمطار، التي كشفت عورة الخدمات وكذبة تطوير البنى التحتية من خلال إغلاق الشوارع الرئيسية، والأزقة والأحياء الداخلية بالمحافظات، علمًا بأنه «منخفض تمهيدي» للشتاء.
في خبر مفاجئ، تحدثت مصادر صحفية أن بعض أعضاء المجلس البلدي لبلدية غزة قدموا استقالاتهم بالأمس، إزاء المنخفض الجوي وما نتج عنه من مشاهد مؤسفة، معبرين أن غزة تستحق الأفضل. هذه الكلمات وحدها تؤكد أن هناك تقصير واضح وتراجع في دور البلديات.
نعم، نحن نتحدث عن مدينة مُحاصرة تعجُ بالأزمات والمشكلات الإنسانية والاقتصادية نتيجة أسباب يدركها الجميع في مقدمتها عدوان الاحتلال الإسرائيلي، والانقسام الداخلي، واتباع سياسات حكومية خاطئة مثل آلية «البيت المفتوح» التي تعزز من انسداد الأفق في توفير الحلول لمشكلات المواطنين، وهذا في جوهره يُعد اعتداءً واضحًا على حقوق المواطن، التي كفلها القانون الأساسي الفلسطيني وتحديدًا المادة (26) التي تنص على حق الفلسطيني في المشاركة بالحياة السياسية عبر التصويت والترشيح في الانتخابات لاختيار ممثلين منهم يتم انتخابهم بالاقتراع العام وفقًا للقانون، في إشارة إلى أهمية إجراء الانتخابات وتفعيل الحياة الديمقراطية.
إن مواصلة التعيينات بطريقة «انتقائية» يؤدي بالطبع إلى إضعاف دور البلديات في تقديم خدماتها للمواطنين، كما يُعد تغييبًا مُتعمدًا للكفاءات المهنية التي تساهم في إيجاد الحلول المناسبة حفاظًا على الفائدة التي تعود للحزب الحاكم دون مراعاة معاناة المواطن ومتطلباته الواجب توفيرها.
وفي الحقيقة، أن كل أزمة تعصف في هذه المدينة المكلومة، سرعان ما تظهر حقائقها ونتائجها على السطح، ويعلم الجميع الأسباب التي أدت لها، لذلك لا ننكر أن غزة تعاني من ظروف صعبة، خاصة جراء العدوان الإسرائيلي الذي حول القطاع لـ «أرضية خصبة» لوقوع الخسائر الفادحة. في حين نسمع كل عام تصريحات تؤكد أن البلديات قد تلقت دعمًا لمعالجة البنى التحتية دون أن نرى حالة تطويرية فعلية أو خدمات نوعية يتلقاها المواطن تخفف عنه مشكلاته وزد على ذلك حجم الضرائب والجباية، كما أن الواقع يدفعنا للتساؤل، لماذا جودة الخدمات التي تُقدم للمواطن رديئة، ولم ترتقِ لحجم تضحياته؟!
لذلك أمام مشاهد الغرق السنوية، وتهميش النداءات المجتمعية التي تتحدث عن الضرر الذي يلحق بالمواطن، أصبح لا قيمة لسؤال القائمين على بلديات غزة، الذين تتحكم بهم سياسات حكومية منفردة، تبحث عن مصلحة حزبية بعينها، وهذا ما عززه الانقسام على مدار سنوات طويلة، الأمر الذي يُحتم إجراء انتخابات محلية عبر بوابة استعادة الوحدة الداخلية، نحو تعزيز دور البلديات في مواجهة الأزمات من خلال إشراك الكفاءات المهنية والمختصين وبعيدًا عن أية حسابات سياسية للخروج بحلول تنموية مناسبة، والعمل على تعويض المتضررين من خلال مخاطبة الوزارات والمؤسسات ذات العلاقة، وضرورة رصف الشوارع والطرقات وفق مواصفات ومعايير تضمن الحماية للمواطن وتوقف عمليات الغش والمظاهر الخداعة، إضافة إلى إشراك لجنة فنية مختصة من قطاعات المجتمع تُشرف على إعادة تأهيل وإعمار البنى التحتية والخدمات العامة، وعقد لقاءات تشاورية مع الطاقات التي يمكن الإستفادة من تجاربها في معالجة الأزمات.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية