لا يوجد سبب جوهري وحقيقي واحد يمنع قيام حكومة مُعبِّرة عن غالبية فصائل العمل الوطني وعن غالبية الطيف السياسي والاجتماعي في البلاد.

توجد أسباب كثيرة وجوهرية وحقيقية تدعو هذه الفصائل للمساهمة في تحمل مسؤولية التحديات الماثلة، وتوجد أسباب لا تقل أهمية وجوهرية عن مواجهة التحديات تتعلق بوعي وإدراك حجم الأخطا التي تحدق بكامل المشروع الوطني ومستقبل القضية الوطنية برمتها.
المساهمة والمشاركة في إنجاح حكومة وطنية وحيث يمكن دعم الحكومة دون المشاركة المباشرة فيها سيؤدي بصورة تلقائية إلى توجيه ضربة كبيرة للانقسام ومؤسساته وذهنيته وثقافته، وستقدم الفصائل من خلال دعمها للحكومة المنشودة أو من خلال مشاركتها فيها الدليل على توفر الإرادة السياسية للعمل الذاتي ـ كل فصيل من جهته ـ وعلى العمل الجماعي لإنهاء حالة الانقسام بما يحقق المصلحة الوطنية.
ويمكن للفصائل في هذه الحالة أن تساعد الكل الوطني على وضع السياسات التي تستجيب إلى هذه الدرجة أو تلك، وبهذا القدر أو ذاك لبرامجها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وذلك من خلال التوافق على البرنامج الحكومي.
وإذا ما نظر إلى البرنامج الحكومي باعتباره برنامجاً اقتصادياً واجتماعياً بالأساس، وإذا ما نظر إلى القاعدة السياسية للبرنامج الحكومي كقاعدة توافق وطني عام، وهو برنامج منظمة التحرير الفلسطينية، وإذا ما اعتبر هذا البرنامج كافياً كبرنامج حد أدنى متوافق عليه.. تصبح دعم أو المشاركة في الحكومة مسألة ضرورية وممكنة وفي السياق الصحيح، وتصبح المسؤولية الوطنية في تحمل الأعباء الوطنية واجبا وطنيا وأولوية وطنية.
تستطيع الفصائل من خلال المشاركة في الحكومة إثبات قدرتها على الانتقال من تسجيل المواقف إلى ساحة الفعل الإيجابي للتغيير، علماً بأن هذا الفعل الإيجابي لا يمنع ولا يجب أن يمنع استمرار التمنافسة، ولا يمنع ولا يجوز أن يمنع استمرار الاعتراض والانتقاد.
وفي ظلالواقع الذي نعيش لجهة الموقف الإسرائيلي الرافض لكل الجهود السياسية للوصول إلى سلام حقيقي، وفي ظل اصرار حكومة الاحتلال على تصفية الحقوق الوطنية وتحويل كامل أهداف الشعب الفلسطيني إلى مجرّد احتياجات اقتصادية واجتماعية مجرّدة عن كل بعد وطني يتعلق بحق تقرير المصير والحق بالاستقلال الوطني على الأرض التي تحتلها إسرائيل فإن البرنامج الذي يتضمن حقوق الشعب الفلسطيني وأهدافه، والبرنامج الذي يتضمن الأدوات الكفاحية المتوافق عليها للوصول إلى تلك الأهداف والحقوق هو برنامج يبرر بشكل كامل العمل في اطار حكومة اتحاد وطني فلسطيني لمواجهة التحديات والأخطار في آن معاً.
وبهذا المعنى ليس مطلوباً من أحد أن يتخلّى عن أفكاره أو عن معتقداته أو طموحاته وأهدافه إذا ما كان برنامج الاجماع الوطني أمراً محسوماً وهو منطلق وركيزة وطنية حقيقية لكل فصيل.
أما إذا كان هذا البرنامج لا يشكل بالنسبة لهذا الفصيل أو ذاك قناعة سياسية من أي نوع كان فإن المشاركة في الحكومة تصبح خارج السياق وخارج المنطق الحربي الخاص بهذه الفصائل.
كل فصيل سياسي فلسطيني مؤمن بهذا البرنامج (للاجماع الوطني) يمكنه دعم الحكومة أو المشاركة فيها (حسب اعتباراته الخاصة)، وكل فصيل لا يؤمن بهذا البرنامج كبرنامج للاجماع الوطني عليه أن يشق طريقه الخاص خارج اطار هذا الاجماع دون لف أو دوران، ودون مواربة وتلاعب بالألفاظ والمسمّيات والمصطلحات.
فهذا البرنامج ليس لتحقيق الأيديولوجيات الخاصة، ولا هو الاطار المناسب للأهداف والأفكار والمعتقدات الفكرية الاستراتيجية البعيدة للفصائل.
إن الأمر الأكثر جوهرية هنا هو أن الإيمان بالبرنامج واعتماده كصيغة وطنية جامعة هو الذي يؤسس لمعارضة فعالة حول أسس وأدوات وآليات الارتقاء به وتطويره وحول الأشكال الأكثر ملاءمة لتحقيقه.
لا تكمن المشكلة أصلاً في الاعتراف بإسرائيل أو شروط الرباعية، او غيرها مما يسمى «بالاشتراطات» للمشاركة في الحكومة. فعندما تتبنى كل الفصائل برنامج الاجماع الوطني في أبعاده السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية وكذلك في الأدوات الكفاحية المتوافق عليها من زاوية الشرعية الدولية ومن زاوية القانون الدولي تحديداً تسقط بصورة تلقائية كل «الذرائع» التي يتم قذفها في وجهنا على غير حق.
لقد اختلفنا كفصائل عمل وطني طوال عشرات السنين ولم ننقسم، واختلفنا طوال أكثر من عشرين سنة على موضوع المفاوضات وموضوع المقاومة فماذا كانت النتيجة؟
فشلت المفاوضات في إيجاد حل، وفشلت «المقاومة» والممانعة في تقديم البديل وبقي الاحتلال وبقي الحصار وبقي الانقسام. فهل يحتاج الأمر إلى أحجيات؟!
إذا ما توافقناعلى شروط وطنية للمفاوضات، وعلى شروط وطنية للمقاومة في اطار الممكن والمنسجم مع القانون الدولي، وإذا ما توافقنا على أدوات تعزيز الصمود الوطني في الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية، وإذا ما ارتضينا الديمقراطية والانتخابات والتداول السلمي الديمقراطي للسلطة على أسس تشاركية فما الذي يمنعنا من تشكيل حكومة اتحاد وطني؟!
السبب الوحيد الذي يمنع حكومة وحدة وطنية هو الطموحات الخاصة بالاستئثار والإبقاء على الانقسام وربما العمل باتجاه الانفصال وتدمير المشروع الوطني لكي يتم على أنقاضه الانتقال إلى مرحلة جديدة يكون فيها البرنامج الإسرائيلي هو البرنامج القائم على الأرض.
لهذا فإن المسألة بسيطة وسهلة، ولكنها ممتنعة بسبب أجندات خاصة خارج نطاق البرنامج الوطني وخارج نطاق الفعل الوطني.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد