قد يبدو العنوان غريباً عند الكثيرين، خاصةً وأن اسرائيل تعيش في هذه المرحلة أوج قوتها وعلوها في ظل حالة الصراع الدامي الذي تعيشه منطقتنا العربية والاسلامية بفعل المؤامرات الكونية التي يقف على رأسها أمريكا وكل طواغيت الأرض، فالأمة الآن حسب هؤلاء منشغلة بنفسها وبصراعاتها الداخلية، ولا أحد يفكر بمحاربة "إسرائيل" ومقاومتها وإزالتها من الوجود، فهذا هو العصر الذهبي بالنسبة "لإسرائيل" حسب زعم هؤلاء، فالعراق قد تم تدميره وتفكيكه، وسوريا لم يبق منها شيء، وإيران محاصرة، ومصر منشغلة بأزماتها الداخلية الأمنية والاقتصادية والسياسية، والسعودية تغرق في مستنقع اليمن الذي سيقودها إلى الانهيار إن لم تتدارك نفسها، ومقاتلي حزب الله موزعين بين جبال سوريا ووديانها، و حماس والمقاومة الفلسطينية محاصرة أشد الحصار في غزة ، وباقي الأمة اهتماماتها بعيدة كل البعد عن فلسطين، والمنطقة مقبلة على صراع مذهبي سيأكل الاخضر واليابس، ولم يبق في المنطقة إلا "إسرائيل" . هكذا يعتقد الكثيرون، وهكذا ينظرون إلى المشهد الحالي لواقعنا في هذه المرحلة، ويبنون رؤيتهم للمستقبل على هذا الأساس، حيث لا يرون مستقبلاً إلا لإسرائيل .


بكل تأكيد فإن هؤلاء مخطئون في نظرتهم، وإن المستقبل ليس كما يظنون على الإطلاق، حتى وإن سلمنا بأن المشهد الحالي لواقع أمتنا الآن مأساوي للغاية، ولكن في المشهد الآخر فإن هناك خير عظيم في أمتنا، ومقومات صعودها ونهوضها ما زالت موجودة كما هي، وإن الأزمات الحادة التي تعاني منها ستزول حتماً، لأنها أزمات طارئة وليست أصيلة، ومهما حاول أعداؤنا أن ينفخوا في نارها ويؤججوا أوارها فإنهم لن يستطيعوا إحراق البيت بكل ما فيه، فهناك عوامل إطفاء ذاتية في قلب هذه الأمة ستمنع اشتعال الحريق حتى النهاية، وأكثر من ذلك فإن هذه العوامل الذاتية ستجعل تلك النيران ترتد إلى من أشعلها من أعدائنا وتحديداً الكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين المقدسة .


عندما قامت دولة "إسرائيل" على أرض فلسطين عام 48 لم تكن الأمة تمر بظروف عادية، بل كانت تمر بمرحلة من أسوء مراحلها التاريخية، حيث ضاعت الخلافة وسلبت الهوية الاسلامية من أكثر بلدان عالمنا العربي والاسلامي، وأصبحت هذه الدول مرهونة للشرق والغرب، فنهبوا خيراتها، وسيطروا على قرارها، وفرضوا ثقافة الغرب على غالبية أبنائها، ومسحوا من عقولهم وذاكرتهم أهم وأخطر قضية (قضية فلسطين)، ولكن بالرغم من كل مؤامراتهم وخبثهم وجيوشهم وحروبهم فإنهم لم يستطيعوا أن يغيبوا الأمة عن فلسطين، ولا عن مسجدها الاقصى المبارك، ولم يستطيعوا أن يجعلوا من دولة الاحتلال الصهيوني واقعاً طبيعياً، بل بقيت "إسرائيل" في نظر كل العرب والمسلمين إلا القليل منهم هي بؤرة الشر والفساد في المنطقة، وأنها كيان غاصب لأرض فلسطين، وأن مقاومتها من أجل إزالتها واجب وفرض على الجميع، وهذا على الرغم من كل المحاولات اليائسة من قبل الغرب والأنظمة التابعة له لتغييب أبنائنا وشبابنا عن فلسطين، ومحوها من ذاكرتهم، وفرض "إسرائيل" كأمر واقع لا بد من التعايش معه، وقبولها كعضو طبيعي داخل جسد الأمة.


إن العوامل الذاتية والطاقات الكامنة لدى أبناء أمتنا وشعبنا هي التي تصدت لكل تلك المؤامرات ، وأفشلت كل المخططات، وجعلتها قادرة على تحمل كل المآسي والجراحات، وأبقت "إسرائيل" بعد 67 سنة من احتلالها لأرض فلسطين دولة احتلال، لا يمكن التعامل معها، ولا يمكن قبولها بشكل طبيعي، وحتى أولئك القليل الذين راهن عليهم الغرب في جعلها أمراً واقعاً فشلوا في تحقيق ما طلب منهم، وعندما يتحدثون عن علاقتهم مع "إسرائيل" فإنهم يتحدثون على استحياء وخجل، لأنهم يعلمون جيداً أنهم يتحدثون في أمر لا علاقة له بتاريخ ولا حاضر ولا مستقبل، ولعل من أهم تلك العوامل والطاقات الإيمان الراسخ بالله سبحانه وتعالى وما له من أثر متجدد ودائم في بعث الأمة ونهوضها من كبواتها واستعادتها لقوتها وريادتها، وأنها خير أمة أخرجت للناس، وأن الله سيكون معها وإلى جانبها إن نهضت ووقفت في وجه الطواغيت، وأن الوعد الالهي بالنصر والتمكين هو العاقبة الحتمية لأي فئة مؤمنة مهما كان مستوى استضعافها طالما كان قيامها من أجل الله ومن أجل نصرة عباده، فتلك عوامل قوة تؤدي الى النصر حتماً، وتجعلنا دوماً نرفض أي حالة ذل او انكسار .


إنه وبرغم كل المآسي والمصائب التي تشهدها منطقتنا الآن، وبرغم الجرح النازف من قلب أمتنا، وبرغم محاولات البعض فرض واقع جديد تصبح فيه "إسرائيل" دولة صديقة وحميمة لنا كعرب ومسلمين، إلا أننا نؤكد بأن هذه المحاولات سوف تفشل بإذن الله كما فشلت كل المحاولات السابقة، وسوف تبقى "إسرائيل" هي العدو المركزي للأمة وللشعب الفلسطيني، وإن مقاومتها وإزالتها من الوجود سيبقى على رأس أولويات كل قوى المقاومة في المنطقة، وإن كل الرهانات على نقل الصراع مع "إسرائيل" إلى صراعات داخلية عربياً وإسلامياً ستبوء بالفشل بإذن الله وذلك على الرغم من تحقيق بعض النجاحات هنا أو هناك، وذلك لأن عوامل وحدتنا وتماسكنا وقوتنا ما زالت موجودة كما هي ، وستبقى موجودة ما بقيت حياة على هذه الارض، فنحن أمة خاتم الأنبياء والقرآن والصلاة والقبلة، ونحن أمة شهر رمضان الذي أنزل فيه القران ، إما إسرائيل فلا ارتباط بينها وبين أي مكون من مكونات هذه الأمة، بل هي غدة سرطانية غرست في قلب أمتنا لتشكل رأس حربة لمشروع صهيوني غربي هدفه الأساسي القضاء على رسالتنا وديننا الخالد، وأن المصير الحتمي لأي احتلال هو الزوال والسقوط، وهذا ما تؤكده تجارب الماضي القريب والبعيد، فاحتلال أمريكا سقط أمام صمود ومقاومة الشعب الفيتنامي، والاحتلال الفرنسي مرغ أنفه بالتراب أمام المليون شهيد الجزائري، وبريطانيا تراجعت وتقهقرت داخل حدودها بعد أن كانت إمبراطورتيها لا تغيب عنها الشمس، والتتار والمغول وغيرهم من غزاة الأوطان عبر التاريخ لم يبق لهم أثر، وبقيت الأمم والشعوب صاحبة الارض والوطن مغروسة في أرضها .


إن اسرائيل إلى زوال

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد