حاز المؤتمر المنظم من قبل «مِفتاح» على اهتمام جميع مكونات ألوان الطيف النسوي في الضفة الغربية وقطاع غزة ، وبذات القدر من التفاعل، حَظِيت توصية تشكيل لجنة نسوية تعمل على تحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام؛ على تأييد المشاركات في مؤتمر «النساء يُرِدْن».
التوصية ذهبت إلى تشكيل لجنة متابعة، لأن مدّ الأمور على استقامتها، في تلك اللحظة، يُجانب الحكمة.
النقاش ساخنٌ ومرصوف بالحدّة، بعضه مفهوم، لكونه المؤتمر النسوي الأول؛ ولا بد أن يرافقه، بالضرورة، الكثير من العواطف ورشق الاتهامات وتحميل المسؤوليات، فالفواتير المدفوعة باهظة الثمن على وضعية النساء، في مركز ارتدادات الهزّة الانقسامية.
لا بد من مواجهة حقيقة أن الاصطفافات في الخنادق المتقابلة تجلس على أكوام من الأحقاد والشكوك، ولا بد أن المشهد العربي قد ساهم في إذكاء نيرانها، والاعتراف أن الحوار النسوي قد تأخر عن موعده سنوات، نظراً إلى أن الخلاف الفكري قديم جديد، عائد إلى مراحل سابقة للانقسام.
السؤال المطروح في المدينة حالياً: ماهية وظيفة اللجنة، وكيفية حمايتها من النكوص والارتداد عن ما وصلت إليه.
سأتصدى للسؤال الثاني أولاً، لا بد من حماية اللجنة مهما كان المسمى الذي ستحمله، فالاسم يحاكي وظيفة الحوار ومواضيعه وطبيعة المشهد النسوي المنشود مستقبلاً، ممثلاً بجدول أعماله وعناوين القضايا محل الخلاف والنقاش.
وأيضا، لا بد من رفع يد رعاة الانقسام عنه، ممن يضعن العراقيل ويفسدْن ويحقن الأجواء بالتوتر؛ عوضاً عن حقنها بمَصْل حرية التعبير والاختلاف والاعتراف بالتنوع والتعدد ونبذ الترهيب الفكري.
والسؤال الأهم برأيي على الطاولة: أيُّ حوارٍ ستذهب إليه الفلسطينيات، وأي تدخل يرتئينه ..إنْ كنَّ سيخترن استنساخ الحوار الفصائلي وقضايا الخلاف السياسي والتنظيمي، ما يؤدي إلى إعادة عقارب الساعة سنوات إلى الخلف، للوصول إلى إعادة ضخّ ذات النتائج وذات الاتفاقيات!
إنْ كان الأمر سيجري على هذا النحو، فلا داعي للحوار من الأساس، فهكذا حوار، النسخ واللصْق، ليس له أيّ قيمة مضافة، ولن تعدو نتائجه عن شرح المشروح وتكرار المكرور، عدا عن أنه، برأيي، لن يكون بمقدور الحركة النسائية، التي جاءت أغلبيتها من رحم الأحزاب، ما تضيف على الجهد المبذول من القوى السياسية، ليس عجزاً؛ بل بحكم أن المجتمع بأغلبيته يعتبر أن ما يتم التوصل إليه بينها؛ يمثِّله، وينظر إليه بمثابة المعادل الموضوعي لحالة التوازن والتوافق المختلفين؛ وينصرف اهتمامه إلى فحص الآليات ومُمْكِنات تطبيقها.
إذن أفترض أن الحوار النسوي سيركز على قضية المرأة وموقعها القانوني وعلاقتها بالدولة كمواطنة وفقا للمرجعيات المتبناة في دولة الحرية والمساواة وسيادة القانون.
غير ذلك، سيحكم عليها العيش في دولة مموَّهة الهوية الفكرية، تعطي موقعا مُلتَبساً للمرأة، بسبب المرجعيات المتعارِضة والمتقابلة.
نراها أحيانا، وزيرة، نائباً، أمينة عامة للحزب وتترأس مؤسسات حكومية ومدنية، ونراها محامية تزوّج وتطلِّق وتحكم؛ بينما لا تتمكن من أخذ القرار بخياراتها الشخصية، ازدواجية وانفصام.
نظرتان وموقعان وشعوران، بالغة وقاصرة في آن واحد.
إذن الحوار ذو القيمة المضافة ينبغي أن يدور حول هوية النظام المنشود بداية، وهو موضوع خلافي لم يتم نبشه سابقاً، تجنباً واتقاءً إضافة عوامل جديدة تزيد الخلاف، ضعفاً وجبناً، تردداً وتذبذباً..رغم أن الخلاف الاجتماعي قد طفا على السطح، ومن ثم أُغلق، كالذي يخبئ الشموس بغربال، التعامل مع الخلاف بمواجهته، لا حلول بالاختباء خلف الأصابع.
لقد ظهر الخلاف لدى نقاش قانون العقوبات في المجلس التشريعي الأول، وتجلى بوضوح؛ في نقاش بعض بنود قانون الأحوال الشخصية أثناء مشروع البرلمان الصوري، وظهر في أعقاب الانقسام وإقرار قوانين وقرارات غير متفق عليها، قانون التعليم في غزة، وقرار تأنيث المدارس وفرض الجلباب على الطالبات في المدارس؛ وعلى المحاميات في المحاكم، وفي قرار الاحتشام في الجامعات، بمعنى؛ وجود خلافات جوهرية تمس المبادئ التي اعتمدها النظام الأساسي ووثيقة الاستقلال والتزاماتنا الدولية.
كذلك، لا بد أن يترافق الحوار مع توعية للقاعدة، حول مواضيع الحوار للضغط من أجل تحقيق الرؤية القائمة على حقوق النساء ومصالحهن بتحقيق المساواة، والتوعية بأننا لسنا على مسافة واحدة مع الأطراف السياسية، وتتحدد المسافة، اقتراباً أو ابتعاداً، في ضوء التزامهم بمبادئ الديمقراطية والمواطنة والمساواة والحقوق.
الحوار ذو القيمة المضافة لا يسقط من حساباته خطة ضاغطة متشعبة على الحوار السياسي، تستهدف: مشاركة المرأة في لجان المصالحة كشريك وصاحبة قضية من جهة، وتطوير وتحويل الوقفة الأسبوعية إلى حركة جماهيرية، أفقياً وعمودياً واسعة شاملة المدن والقرى الفلسطينية، من أجل تنفيذ الاتفاقيات وتنظيم الانتخابات العامة؛ من جهة أخرى.
هذه خطوط عامة للحوار النسوي الموازي، تظهر فيه المرأة مرئية بحجمها الطبيعي في المجتمع، في قلب الحدث والصورة، عوضاً عن اللهاث خلف وجود ديكوري في لجان المصالحة، وتثبت أن الوحدة الوطنية لا تقتصر على وحدة القوى السياسية دون القوى الاجتماعية أيضاً.
آخر الكلام، هل ستكون النساء أمام كتابة فصلٍ جديدٍ من فصول النضال النسوي الفلسطيني لاستعادة الوحدة الوطنية، على أسس واضحة؟ هل ستجترح لغة وتجربة ومقاربات مختلفة تدفع وتطور عناصر المصالحة، ولنا في ما يجري في الإقليم المواعظ والدروس؟ فهل نأمل في حوار استكمالي للحوار السياسي ينطلق من خصوصية المرأة؟
سؤال أتعجل الحصول على إجابته الصحيحة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية