شهر رمضان هو الشهر التاسع في التقويم الهجري، وهو شهر مميز عند المسلمين عن باقي شهور السنة الهجرية، ففيه أنزل القرآن الكريم. وهو شهر الصوم حيث يمتنع في أيامه المسلمون عن الشراب والطعام والجماع من الفجر وحتى غروب الشمس، وصوم رمضان هو الركن الرابع من أركان الإسلام.
رمضان .. شهر يستقبله الأسرى بفرح وسرور ويتبادلون التهاني والتبريكات فيما بينهم كباقي المسلمين ، ويقضون أوقاته بالصوم والصلاة وتلاوة القرآن وقيام الليل والإبتهال الى الله بالدعاء بأن يفرج الله كربهم. وبعضهم يتممون قراءة القرآن وحفظه في هذا الشهر الفضيل، كما وتنظم فيه دورات عدة في التلاوة والتجويد، ويتخلله برامج ترفيهية ومسابقات وطنية ودينية ورياضية في إطار برامج رمضانية شاملة.
ولكن للمعاناة شكل آخر في هذا الشهر. حيث يُحرم الأسير من الالتقاء بذويه وأطفاله على مائدة واحدة، كما وتُحرم العائلة من وجود واحد من أبنائها أو أكثر، أو رب الأسرة، على مائدتي السحور والإفطار، وهذا يفاقم من معاناة الطرفين طوال شهر رمضان. والأمر لم يقتصر على هذا الحرمان القسري، بل أن هنالك آلاف من الأسرى هم محرومين من رؤية ذويهم وأقرباء لهم منذ سنوات طويلة تحت ذريعة المنع الأمني.
وتتعدد صور المعاناة إذ تتعمد إدارة السجون وقواتها القمعية المدججة بالسلاح الى التضييق على الأسرى وذويهم طوال أيام وليالي هذا الشهر الفضيل، وتسعى جاهدة للتنكيد عليهم وإفساد فرحتهم بقدومه عبر مجموعة من الإجراءات التعسفية والتنقلات الاستفزازية والاقتحامات والتفتيش المستمر لغرف السجون وخيام المعتقلات وحتى لزنازين العزل الإنفرادي بحجة البحث عن هواتف نقالة "مهربة" أو مواد "محظورة". حسب ادعاءاتها.
وفي "رمضان" تُصعِد إدارة السجون من إجراءاتها العقابية لأتفه الأسباب وتزج بمجموعات من الأسرى وبشكل فرادي في زنازين انفرادية، كما وتضع العراقيل أمام حرية ممارسة الشعائر الدينية وقراءة القرآن بصوت جهري والصلاة الجماعية وصلاة التراويح في ساحة القسم إلا ما ندر وهذا يخالف ما نصت عليه المادة (86) من اتفاقية جنيف الرابعة ( تضع الدولة الحاجزة تحت تصرف المعتقلين أياً كانت عقيدتهم ، الأماكن المناسبة لإقامة شعائرهم الدينية ) .
والأدهى من ذلك أن إدارة السجون تتلاعب أحياناً بأوقات إيصال وجبات الطعام للأسرى، فتُحضر وجبات السحور بعد الافطار مباشرة، كما تجبر الأسرى على استلام وجبات الإفطار قبل موعد آذان المغرب بفترة زمنية طويلة، ودائما هي وجبات منقوصة وسيئة كما ونوعاً وتفتقر للمقومات الأساسية دون مراعاة لإحتياجات الجسم في هذا الشهر، فيما يحاول الأسرى تعويض ذلك من خلال شراء احتياجاتهم على نفقتهم الخاصة وبأسعار باهظة من الكنتينا "مقصف السجن". كما ويبدعون ويتفننون في صنع الأطعمة والحلويات الخاصة بطرقهم الخاصة ووفقا للإمكانيات المتوفرة بما يتناسب وطقوس هذا الشهر العظيم .
وأحيانا أخرى تُؤخر في ساعة الخروج للفورة ( ساحة القسم ) وتتعمد أن تكون في وقت تشتد فيه الحرارة للتنغيص عليهم، مما يدفع الأسرى لرفض الخروج والبقاء في غرفهم.
وكثيرا ما رفضت ادارة السجون إدخال التمور وزيت الزيتون والحلويات من قبل بعض الجهات المختصة كهيئة شؤون الأسرى والمحررين (وزارة السرى سابقا)، فيما يُسمح أحيانا بإدخال كميات قليلة من الحاجيات "الرمضانية" لا تكفي لإجمالي الأسرى في هذا السجن أو ذاك المعتقل، وأحيانا أخرى وبشكل مزاجي ومتفاوت من سجن لآخر تسمح إدارة السجون بزيادة مبلغ إضافي يُمكّن الأسرى من شراء احتياجاتهم من مقصف السجن على نفقتهم الخاصة. أما الأسرى الذين يتعرضون لوعكات صحية في رمضان فإنهم لا يتلقون الرعاية المناسبة، أو الاستجابة السريعة، إنما يُعاملون ببطء متعمد كي يشعروا بالمعاناة والعذاب أكثر .
وفي رمضان اسرى يستقبلونه بالصيام دون افطار، فيمتنعون طواعية عن تناول الطعام بشكل نهائي ويصرون على مواصلة اضرابهم عن الطعام احتجاجا على استمرار اعتقالهم التعسفي وضد ما يسمى بالاعتقال الإداري وفي مقدمتهم الاسير خضر عدنان المضرب عن الطعام منذ 47 يوما على التوالي.
وفي رمضان، أسرى يعانون الأمرين، ما بين مطرقة الحرمان والشوق والحنين للأهل والأبناء والأحبة، وسندان ظروف الأسر والإجراءات القمعية المتصاعدة في هذا الشهر العظيم. ومع ذلك يستعلون على جراحهم ويُخفون آلامهم أمام السجان، ويستغلون أوقاتهم بالدعاء والصلوات والمطالعة والتثقيف الذاتي وحفظ القرآن وتفسيره. فتتحول الغرف الى مساجد وأماكن للعبادة وصفوف للدراسة.
وأهالي يجتمعون على مائدة الإفطار في غياب قسري للأب و الابن أو كليهما، أو الشقيق والشقيقة، فيخيم الحزن على الجميع لفقدانهم أحد أركان الأسرة ، وتجهش الأمهات بالبكاء ، ويضطر الأبناء للسؤال عن أسباب غياب آبائهم المتواصل عن مائدة الإفطار أو إحضار احتياجات رمضان .. فيما الزيارات لمن يُسمح لهم بذلك تكون مغمسة بالألم والحزن والمعاناة ، ولسان حالهم دائما اللهم اجمعنا بأسرانا العام القادم على مائدة واحدة بعيدا عن ظلم السجان .
ومنذ الحملة الأخيرة التي أعقبت حادثة اختفاء المستوطنين الثلاثة في الخليل في حزيران/يونيو 2014 تصاعدت الإجراءات القمعية بحق الأسرى وتفاقمت معاناتهم واشتدت الهجمة ضدهم واتسعت الإجراءات العقابية والانتقامية بحقهم لتطال كافة مناحي الحياة.
هذا هو حال الأسرى وذويهم في شهر رمضان المبارك.. ألم وقسوة، وشوق وحنين للأحبة ولوعة اللقاء بالأبناء والأمهات والآباء.
وفي هذا الشهر الفضيل نبرق برسالتنا لكل المسلمين في بقاع العالم، تذكروا أسرى فلسطين في سجون الاحتلال الإسرائيلي في السحور وعلى موائد الإفطار وفي السجود، وادعوا لهم كلما تذكرتموهم، بأن يفرج الله كربهم وأن يفك أسرهم .
اللهم فك قيد أسرانا و أسرى المسلمين وفرج كربهم وارحم ضعفهم وردهم إلى أهلهم سالمين .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية