أصبح لا يخفى على أحد، بأن الصحفي الفلسطيني يعاني من عمليات الاستهداف المُمنهجة والمُتعمدة التي يمارسها جيش الاحتلال الإسرائيلي بحقه جراء سياساته وإجراءاته العنصرية في الأراضي الفلسطينية، وتحديدًا في مدينة القدس المحتلة العاصمة الأبدية لفلسطين، التي وبحسب تقارير صحفية أكدت أنها شهدت أعلى نسبة من الانتهاكات الإسرائيلية لهذا العام 2022م، بواقع 131 انتهاكا، أي بنسبة 30% من مجموع الانتهاكات.

لقد لعب الصحفي الفلسطيني دورًا بطوليًا في الدفاع عن قضيته الوطنية وعن حقوق شعبه كافة، من خلال تأدية دوره المهني والوطني في كشف وفضح جرائم الاحتلال الإسرائيلي وقطعان المستوطنين، والاسهامات الواسعة في تعزيز الوعي الدولي بالقضية الفلسطينية، حيث يدفع الصحفي ضريبة هذا الثبات الدائم الذي يؤكد من خلاله على عمق الانتماء لوطنه فلسطين، إذ يُسجل بقلمه ويوثق بكاميرته إرهاب الاحتلال الذي يهدف إنهاء الوجود الفلسطيني.

هذا العام غير الأعوام السابقة، حيث شهد الصحفيون حالة من الخوف والرعب جراء عمليات القتل والاعتقال والضرب من قبل جيش الاحتلال الذي يمارس الإرهاب بحقهم، لا سيما حادثة اغتيال أيقونة الصحافة شيرين أبو عاقلة مراسلة قناة الجزيرة التي هزت أرجاء العالم، وإعدام الزميلة غفران وراسنة، واعتقال العشرات من الطلاب والنشطاء الإعلاميين سواء في مناطق الضفة أو القدس.

يصادف اليوم 26 من شهر أيلول، هذا اليوم الذي يتم فيه إحياء اليوم العالمي للتضامن مع الصحفي الفلسطيني، والذي أقره الاتحاد الدولي للصحفيين إثر أحداث هبة النفق عام 1996م، والتي انطلق حينها أبناء شعبنا في مسيرات غاضبة، لمنع سلطات الاحتلال من افتتاح نفق أسفل المسجد الأقصى المبارك.

ففي هذه المناسبة الكبيرة والغنية بفكرتها، يجدد العالم التأكيد على دعم مطلب فلسطين في وضع حد للممارسات الإسرائيلية الإجرامية، والعمل على تشكيل رأي دولي مناصر يدعم الصحفيين، وهذا كان واضحًا حين انتخب النقيب ناصر أبو بكر نائبا لرئيس الاتحاد الدولي للصحفيين خلال اجتماعات الاتحاد (كونغرس 31) في العاصمة العمانية مسقط، في شهر يونيو من هذا العام.

هذا المؤشر، يعطي أملًا كبيرًا في أن يكون العالم حرًا في الانتصار لفلسطين وقضايا شعبها، كما أن منح فلسطين هذه الثقة يُعد ردًا على ممارسات الاحتلال، ورسالة علنية أنه آن الأوان لوقف هذه الأفعال الإجرامية، خاصة أن هذه الجهود تأتي في ظل الدور الملحوظ للصحفيين في نقل الحقيقة إلى العالم، والتصدي لألة الحرب الإسرائيلية بالقلم والكاميرا، وتوثيق جرائمه البشعة بحق عموم شعبنا على أرضه، كيف لا، ويقدم هذا المحتل نفسه نموذجًا في الإرهاب والعنصرية عبر استهدافه لحراس الحقيقة ومؤسساتهم الإعلامية والتي كانت أكثر بروزًا خلال العامين الماضيين.

رغم الاستهداف المتواصل، يحاول الصحفي الفلسطيني أن يصنع من صوته صرخة دولية تمكنه من تعرية هذا الاحتلال، والكشف عن وجهه الحقيقي، حيث تكشف تقارير صحفية أنه في النصف الأول من العام الجاري 2022م تم تسجيل أكثر من 479 انتهاكًا وجريمة من قبل الاحتلال بحق الصحفيين الفلسطينيين، كما تنوعت الانتهاكات ما بين الاحتجاز والمنع من التغطية، والقتل المتعمد والاعتقال والاستهداف بالرصاص، إضافة إلى المنع من السفر والعرض على المحاكم والاستدعاءات والاعتداء بالضرب، بهدف منع الصحفيين من ممارسة عملهم.

اعتدنا أن نرى الاحتلال الإسرائيلي مخالفًا لكل قوانين الأرض وعادةً يمارس سلوكًا فوق القانون، لا سيما القوانين الدولية التي من المفترض أن تشكل سياجًا حاميًا ومدافعًا عن الصحفيين، وهنا يتم التأكيد على أهمية التضامن مع الصحفي الفلسطيني وإنصاف حقوقه، وصون حرية العمل الإعلامي، وخلق فرصة لاحترام مهنة الصحافة، إضافة لوقف كل أشكال الاعتداء عليها من خلال تطبيق واحترام القوانين الدولية وفي مقدمتها القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، فيما تنص المادة (19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على حق حرية الرأي والتعبير، والمادة (79) من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف تنص على أن الصحفيين يتمتعون بجميع الحقوق وأشكال الحماية الممنوحة للمدنيين في النزاعات، كما تؤكد المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان (2010) حماية حرية الصحافة من أجل لعب دورها الحيوي المنوط بها، وتقديم المعلومات والأفكار التي تهم الرأي العام، واعتبار توجيه هجوم مباشر ضد شخص مدني يرقى إلى جريمة حرب بمقتضى نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، أما القرار(1738) المتخذ من مجلس الأمن عام 2006م الذي ينص على إدانة الهجمات المتعمدة ضد الصحفيين وموظفي وسائل الإعلام والأفراد المرتبطين بهم أثناء النزاعات المسلحة، وقرار مجلس الأمن (2222) الخاص بحماية الصحفيين، ودعوة الاتحاد الدولي للصحفيين لمحاكمة دولة الاحتلال على جرائمها.

إن هذه القوانين الدولية الداعمة لحقوق الصحفيين وغيرها الكثير التي تحمل فكرة السلام وأهمية تحقيقه في العالم، قدمت فرصة مناسبة لدى نقابة الصحفيين الفلسطينيين إزاء الجهود التي بذلتها مؤخرًا في الدفاع عن حقوق الصحفيين، والتي كان آخرها تسليم ملف الصحفية أبو عاقلة لمكتب النائب العام للمحكمة الجنائية الدولية في مدينة لاهاي الهولندية لمحاكمة الاحتلال على جرائمه، وذلك رغم عمليات التضييق لمنع وفد النقابة من عقد المؤتمر للإعلان عن التسليم، الأمر الذي ربما يحقق مبدأ المساءلة والمحاسبة الفعلية للاحتلال الإسرائيلي، ووقف كل أشكال العدوان على الصحفي الفلسطيني. أعتقد أنها خطوة موفقة أن يتم التوجه للجنايات الدولية، لكن هذا أيضًا يجب أن يعزز بمخاطبة واسعة للمؤسسات الدولية من أجل عزل الاحتلال ومحاكمته على إرهابه المنظم.

في هذا اليوم، نستذكر الشهداء والجرحى والأسرى من الحركة الصحفية، كما نتوجه بالتحية إلى الذين ما زالوا رأس حربة في هذا المشوار أيضًا، الذين يسيرون في طريق خطه العشرات من الصحفيين والإعلاميين الذين شهد لهم ميدان التضحية، ميدان الحقيقة، وصدقوا مشوارهم بتضحياتهم الجسام في سبيل نقل الحقيقة وانحيازهم إلى قضايا شعبهم العادلة، وكشف إرهاب الاحتلال الذي يصور نفسه الملاك الأبيض في كل المحافل، ولكن الحقيقة أنه مجرم.

المصدر : وكالة سوا

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد