عندما قلنا ان اول الدردشات حنجلة، قال البعض اننا نحمّل الموضوع اكثر مما يحتمل.
الآن نحن في وسط حلبة الحنجلة، بغض النظر عن ان المفاوضات التي وصلت الى ما وصلت اليه حتى الآن مباشرة او غير مباشرة!!؟
المهم أن الجبل الذي كان يسمى مقاومة او ممانعة تمخض عنه الفأر الذي تحدث عنه المثل الشائع ليس الا.
ومع أننا نعرف منذ الآن انه سيتم الحديث عن تهدئة لما يزيد على خمس سنوات قابلة للتجديد التلقائي على الهاتف النقال، ونعرف حفلة المزاودات والمناقصات التي «سيتحفنا بها أنصار الدردشات والحنجلة من ان هذا الاتفاق جاء كتجسيد لبطولات المقاومة وان كل ما يجري «ليس» سوى محاولة لفك الحصار عن غزة .
لهذا فإننا سنجد من يطالبنا هذه المرة ايضاً بعدم «تحميل» المسألة أكثر مما تحتمل، وسنجد من يطالبنا بالتروي في فهم واستيعاب اتفاق التهدئة.
واما ما سنجده بقوة وما سنسمعه بأعلى الأصوات هو ان هذه التهدئة قد جاءت بعد «فشل» إعادة الإعمار وبعد فشل فك الحصار.
ماذا يعني ذلك في لغة التراشق الإعلامي او في لغة الإعلام التراشقي؟ هذا يعني ببساطة انك اذا اعتبرت هذا الاتفاق شقاً لوحدة الشعب الفلسطيني، وإسهاماً وانغماساً في تكريس ليس الانقسام فقط، وإنما الإمعان في حالة انفصال مفضوحة، او اذا ذكرت بأن من شأن هذا الاتفاق ان يخلخل معادلة وحدانية التمثيل ويعطي لإسرائيل ما عجزت عن تحقيقه بأقسى أنواع الحروب .. اذا جئت على كل ذلك او على اي شيء من كل ذلك فأنت متهم بالمشاركة في الحصار وستتهم بأنك مجرد من الأحاسيس تجاه معاناة أهلنا في القطاع.
نحن هنا أمام معادلة صعبة، فمن ناحية لا يمكن ان نكون الا مع التهدئة طالما ان هذه التهدئة يمكنها التخفيف من معاناة شعبنا وأهلنا، ومن ناحية اخرى، فإنك لا تستطيع ان تسكت على مخطط واضح المعالم وواضح الأبعاد وواضح النوايا.
أليس من حق المواطن والمواطنة في فلسطين ان يسأل نفسه: لماذا يا ترى يتم ابرام الاتفاق مع فصيل واحد وبدون معرفة او رغبة او مشاورة اي فصيل من اي نوع كان؟ ثم أليس من حق كل مواطن ومواطنة ان يسأل لماذا لم تطرح حركة حماس ، ومن خلفها كل من قطر وتركيا المشروع على منظمة التحرير والفصائل طالما ان هدف المشروع هو «مجرد» محاولة لفك الحصار والتخفيف من معاناة شعبنا في قطاع غزة؟
واذا كان الأمر كذلك فما الذي تخشاه حركة حماس من طرح الموضوع للنقاش الوطني؟
لماذا ترفض كل فصائل العمل الوطني جهارا او مواربة هذه التهدئة؟؟ أليس لأن المسألة ليست مجرد محاولة للتخفيف من معاناة شعبنا في القطاع، ولأن المسألة تمس جوهر المشروع الوطني وتتساوق مع الأهداف الإسرائيلية؟؟
ما الذي يمنع دولة مثل قطر ان تعتبر مشروع التهدئة مناسبة ل فتح حوار وطني شامل حول كل القضايا الوطنية وحول كل مشكلات العمل الوطني في هذه المرحلة اذا كانت المسألة مجرد محاولة لفك الحصار او البحث عن وسائل فعالة لإعادة الإعمار؟
حين نطرح هذه الأسئلة نحن لا نستهدف التبشير بأن الانفصال اصبح بحكم الواقع جزءاً من الحالة السياسية الفلسطينية، وطبعاً لا نستهدف إعفاء اي طرف فلسطيني من المسؤولية حيال الواقع الفلسطيني، ولكننا نراهن على ان تكون هذه الأسئلة هي مثار اهتمام الفصائل والنخب، علها تنبه الجميع الى خطورة المنزلق الذي يعد للشعب الفلسطيني على نار هادئة او السمّ الذي تود إسرائيل ان تدسه لنا في «الدسم» الذي ليس دسماً الا بالقدر الذي سيلحقه من أذى ومن تدمير لمستقبلنا السياسي المرئي على اقل تقدير.
وبالمناسبة أقول: ان مشروع التهدئة لن يحقق فك الحصار ولا إعادة الإعمار وإنما فرض معادلة الخبز مقابل الأمن، وهذا كل ما في الأمر، الا اذا وافقت حركة حماس على الانغماس المباشر في إقامة دويلة غزة وتخلت بشكل كامل ونهائي عن كل شيء آخر.
ولان حركة حماس مهما بلغت فيها عقلية الاستئثار والهيمنة والفئوية لا يمكن ان تبيع كل شيء مقابل تلك الدويلة، فإن المشروع هو مجرد مراهنة إسرائيلية فاشلة وهي لعبة سياسية لا تقوى إسرائيل على استخدامها بشكل كلي او نهائي.
اذن المشروع كله مشروع مؤقت وتكتيكي بامتياز وكل ما سنخسره من هذا المشروع هو تكريس حالة من الانفصال المبطن، الا ان تنضج ظروف وطنية للوقوف في وجه هذا المشروع التدميري.
لا يراهن احد على إسرائيل، فالمسألة ابعد من مجرد اتفاق تهدئة.
وعندما ترى إسرائيل ان هذا الاتفاق لا يحقق لها تدمير وحدة الشعب الفلسطيني فإنها هي نفسها ستتمرد عليه وتقضي عليه في لحظة واحدة.
المراهنة على احتياجات إسرائيل الأمنية مراهنة فاشلة لأن احتياجاتها ابعد واعمق بكثير من مجرد وقف اطلاق نار، وإن غدا لناظره قريب.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد