بعد سنوات قليلة من المتابعة، وتدخّل وسطاء معلومين، نجحت الجهود التي بذلتها وبادرت إليها حركة « حماس » في فتح صفحة جديدة في العلاقة مع سورية.
البيان الذي أصدرته الحركة يتجاوز الاعتذار إن كان مباشراً أو غير مباشر، فالأمر يتعلق باستحقاقات عودة العلاقة بين طرفين ينتميان إلى «محور المقاومة»، المعروفة أطرافه، ويشكل الطرفان: سورية و»حماس»، أركان أساسية في ذلك المحور.
كانت «حماس» قد حصلت في سنوات قبل القطيعة على امتيازات كبيرة ودعمٍ واضح من النظام السوري، وشكّلت دمشق مركزاً رئيساً لقيادة الحركة ولمئات من كوادرها، وكان الأساس في ذلك حسابات الصراع المشترك مع الاحتلال الصهيوني.
حين اندلعت المواجهات بين النظام السوري والمعارضة المسلحة التي لقيت وتلقت مساعدات عسكرية ومالية ولوجستية ضخمة من قبل أطراف خارجية منها عربية وأخرى دولية وإقليمية كانت الولايات المتحدة من أهم أقطابها، بادرت قيادة «حماس» إلى اتخاذ موقف بقطع العلاقة مع النظام، وخروج قياداتها وكوادرها من سورية.
خرج ذلك الموقف عن الحسابات القومية المتعلقة بالصراع، وأصبح محكوماً لحسابات «جماعة الإخوان المسلمين» التي حملت السلاح ضد النظام، وقاتلته بشراسة، فما الذي دفع «حماس» لمعاودة البحث والسعي من أجل إعادة العلاقة؟
برأينا أن قرار قيادة «حماس» لإعادة ترميم العلاقة مع سورية والنظام السياسي، قد جاء في سياق تطور في رؤية «حماس» السياسية لا يتوقف عند حدود متطلبات وجود الطرفين في «محور المقاومة»، ورغبة أطرافه الأخرى في ترميم العلاقة بين طرفين مهمين من أطراف المحور.
العام 2016، أصدرت «حماس» ما يُعرف بـ»الوثيقة السياسية»، التي تضمنت جديداً فيما يتصل برؤية الحركة لدورها، وآليات عملها في الإطار الوطني الفلسطيني.
تلك الوثيقة، خضعت لعمليات تشكيك من قبل نُخب سياسية وإعلامية وتنظيمية كثيرة، اعتبرتها مجرّد تكتيك يفتقر إلى العمق والمصداقية، والرغبة في التغيير.
رغم صدور تلك الوثيقة ظلّت «حماس» متهمة بأنها لا تنتمي إلى المشروع الوطني الفلسطيني وأن انتماءها الأساسي والاستراتيجي هو لمشروع «الإسلام السياسي» الذي تحمله وتعبّر عنه «جماعة الإخوان المسلمين» التي لم تكن «حماس» تنكر انتماءها إليها.
على أن التطورات السياسية اللاحقة، سواء فلسطينياً في إطار الحوار من أجل إنهاء الانقسام، أو في إطار الصراع مع الاحتلال، وكذا التطورات على المستويين العربي والإقليمي، أملت على قيادة الحركة، إجراء تحويلة في رؤيتها السياسية نحو الوطنية الفلسطينية.
«حماس» أعلنت مراراً أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، وأعلنت قبولها مشروع إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس على الأراضي المحتلة العام 1967، وأعلنت مراراً استعدادها للانخراط في النظام السياسي، عبر الانتخابات أو عبر التوافق الوطني، وأعلنت استعدادها لإبداء مرونة فيما يتصل بشروط إنهاء الانقسام، وكذا أبدت استعدادها لبناء شراكات وطنية.
هذه هي معالم التحوّل السياسي لدى «حماس»، وفي سياق ذلك أعلنت أنها لا صلة تنظيمية أو إدارية لها مع «جماعة الإخوان المسلمين»، وبدأت رحلة العودة عن قرار مقاطعة سورية، واستعدادها لدفع استحقاقات تلك العودة.
هذه التحوّلات التي يمكن أن تساعد في تحسين بيئة العلاقات الفلسطينية ويمكن أن تسهّل المبادرة الجزائرية نحو إنهاء الانقسام، تقدم «حماس»عملياً بهوية جديدة مختلفة، هوية حركة إسلامية وطنية، تقترب كثيراً من هوية حركة الجهاد الإسلامي.
وبشكل عام تحاول «حماس» التصرف بمسؤولية كبيرة عربياً ودولياً، لكونها حركة فاعلة ومؤثّرة، ولا يجوز لها أن تتصرف كحركةٍ صغيرة لا تحسب حساباً لمغامراتها.
أما أسباب هذا التحول الذي ينتظر المزيد من الخطوات العملية تجاه الوضع الفلسطيني بكلّيته فإننا نسجل الآتي:
أولاً: النظام السوري هو ذاته الذي كانت الحركة تقيم معه علاقة قوية وتعود اليوم للسعي من أجل استعادة هذه العلاقة، ولكن الذي تغيّر هو أن النظام صمد واستمرّ في سياساته المعادية للاحتلال، وأن ما شهدته سورية من صراعات دموية، وتدخّلات خارجية لا تزال فاعلة حتى اليوم، يشير دون جدال إلى مخطط استعماري يستهدف تقسيم سورية، والاستيلاء على ثرواتها، وتقديم خدمات استراتيجية لصالح إسرائيل، عبر إخراج سورية من دائرة الصراع.
ثانياً: فشل «الإسلام السياسي» في المنطقة، ابتداءً من مصر ثم السودان والمغرب وتونس، وأيضاً في سورية، فلقد تلقّت «الجماعة» ضربات كسرت ظهرها، وبالتالي فإن التزام «حماس» بمشروع «الإسلام السياسي» المرتبط بـ «الإخوان»، قد أصبح عبئاً عليها، ويجلب لها الكثير من الأضرار والمخاطر، وربما تشير التجربة إلى «الإخوان» بأصابع الاتهام، بأنها ومشروعها مرتبط بقوى دولية، لا تخدم قضايا الأمة العربية بما في ذلك فلسطين.
ثالثاً: جرّبت «حماس» لسنواتٍ عديدة أن تحظى بالشرعية، وأن تشكل بديلاً لمنظمة التحرير الفلسطينية، لكنها فشلت في كل ذلك، رغم التضحيات الكبيرة التي قدّمتها، ما ولّد لدى قيادتها قناعةً بضرورة الانخراط في المؤسسة الوطنية الفلسطينية بما في ذلك المنظمة والسلطة. هذا التحول ينتظر من القوى الفلسطينية الأخرى، التعامل معه بإيجابية لإرسائه على قواعد راسخة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية