بعد أن ركدت مياه المصالحة، فضلاً عن إنهاء الانقسام طويلاً، وربما بمناسبة مرور ثمانية أعوام، أو الذكرى السابعة لواحد من أسوأ الكوابيس التي وقعت على رأس الشعب الفلسطيني في الألفية الثالثة، أثارت _ ولو قليلا _ ولو حتى دون أن يضمن أحد نجاحها الفعلي، مبادرة رئيس حكومة التوافق الوطني، والتي تلخصت في مبادلة ملفي موظفي حركة حماس في غزة بملف المعابر الحدودية، أثارت بل وحركت تلك المياه التي ركدت طويلا، حتى زكمت رائحتها الأنوف، بما يبشر بأن شهر رمضان الفضيل قد يهل علينا ببشائر الخير.
ذلك أنه منذ أن تم توقيع اتفاق الشاطئ، ومن ثم تشكيل حكومة التوافق، توقفت عجلة إنهاء الانقسام عند أول محطة تنفيذية تالية، فقد طالبت حركة حماس على الفور بقيام الحكومة بصرف رواتب ومستحقات أكثر من أربعين ألف موظف قامت الحركة بتعيينهم في وزاراتها وفي المؤسسات العامة في غزة، منذ أن تولت مسؤولية إدارته منفردة منذ منتصف العام 2007، في حين طالبت حركة فتح والسلطة والحكومة حركة حماس بتمكين الحكومة من تولي صلاحياتها ومسؤولياتها في غزة، وهكذا دخل الطرفان في قصة أشبه ما تكون بقصة إبريق الزيت أو حكاية البيضة والدجاجة، أيهما أولاً.
تقدم حركة فتح والسلطة وحتى حكومة التوافق عبر هذه المبادرة « تنازلاً « واضحاً، عما كانت تطالب به من قبل، وذلك من أجل دفع عجلة المصالحة وإنهاء الانقسام، فبعد أن كانت تطالب بتمكين تام للحكومة، حتى يكون بمقدورها أن تقوم بواجباتها، وهذا بلغة «حماس» يعني دفع رواتب موظفيها بشكل محدد ومختصر، ها هي تكتفي مقابل الاستجابة لمطلب «حماس» بدفع رواتب موظفيها بالإشراف والسيطرة على المعابر وبالأخص معبر رفح البري.
عند الدخول في التفاصيل لمحاولة استشراف حظوظ هذه المبادرة في الحياة أو في إيجاد طريقها للنفاذ والتنفيذ، نقول: بأن «فتح» المعبر يحل مشكلة عويصة لكل مواطني قطاع غزة، ورغم أن ثمنه من جانب السلطة هو فاتورة مالية ليست قليلة، تتبعها استحقاقات إضافية ومتتابعة، إلا انه يمكن القول بان الحكومة قد فكرت بهذا الأمر جيداً، فوجدت أن مداخيل المعبر من ضريبة تدفع من قبل المسافرين، كذلك من ضرائب أخرى يمكن أن تجبى من دخول البضائع التجارية، عبر المعبر التجاري والمعابر الأخرى، لأن حلحلة في هذا الملف ستفتح على فتح ملف المعابر بأسره، يمكنها أن تغطي فاتورة رواتب الموظفين المشار إليهم .
ثم لا شك بأن بحث الطرفين بشكل مباشر أو عبر وساطة الفصائل الأخرى في وضع هذه المبادرة على سكة التنفيذ سيحدد شكل ومحتوى وتفاصيل إشراف وسيطرة أو تسليم معبر رفح فقط أم كل المعابر لحكومة التوافق، هذا أولا، وثانيا، كيف سيكون الأمر من جانبيه الإداري والأمني، الإداري أي موظفي المعبر، ومن سيتم اعتماده، وهذا يلخص مشكلة أو أنه سينسحب على ملف الموظفين بأسره أو بشقيه موظفي «حماس» والمستنكفين، أي أنه حين يتفق الطرفان على الطاقم الإداري الذي سيدير المعبر، يمكن لنفس الصيغة أن تعمم على ملف الموظفين كله، ومن ثم الاتفاق سيحدد الجانب الأمني، بما يحدد إن كانت الحكومة ستشرف فقط أم ستسيطر على المعبر، ذلك أن اكتفاء الحكومة بوجود موظفيها الإداريين في المعبر يعني أنها تشرف فقط، وتضمن دخول ضريبة السفر لخزينتها، أما أن يشمل التنفيذ خضوع المسؤولية الأمنية للحكومة فذلك يعني السيطرة الكاملة على المعبر، وبالتالي سيادة خارجية للحكومة على قطاع غزة.
هذه المبادرة في الحقيقة تلقي الكرة في ملعب «حماس»، لأنها جاءت من قبل رئيس الحكومة ومن ثم تلقفتها الفصائل، ورفض «حماس» للمبادرة يعني بأنها قد بلعت الطعم الإسرائيلي وان الحديث عن وجود صفقة بين «حماس» وإسرائيل برعاية تركيا لكسر الحصار مقابل هدنة طويلة الأمد صحيح، وان «حماس» تراهن على ذلك الخيار، لذا فإن اغلب الظن بأن «حماس» ستتعاطى مع هذه المبادرة، ومن ثم محاولة اللعب داخل مربع المباحثات حول التنفيذ، ومط الوقت وما إلى ذلك، وربما أنها أيضا تلجأ كعادة سابقة إلى «تعويم» الموقف، فتجد من يعلن استجابة الحركة للمبادرة من قادتها والناطقين باسمها، في الوقت الذي يكون فيه آخرون يعلنون عن التحفظ وعن مطالبات إضافية، وربما تلجأ إلى تعمد عدم الاهتمام، حتى لا تقدم قوة الدفع اللازمة والضرورية من اجل أن تجد المبادرة طريقها إلى الواقع.
وربما _ وهذا ما نتمناه ويتمناه معظم الشعب الفلسطيني _ أن تبادر الحركة إلى الإعلان عن ترحيبها بالمبادرة والاستجابة لها، والدخول فورا في مباحثات الاتفاق حول التفاصيل وسرعة التنفيذ، وهذا يعني بأن إستراتيجية أو سياسة حل ملفات إنهاء الانقسام بالتفنيط أو بالتدريج، وليس دفعة واحدة أو رزمة واحدة كما يطالب البعض، والإقلاع عن التشبث بتحقيق المطلب الذاتي أولا، أي عن منطق الدجاجة والبيضة أيهما أولا، بات ممكناً، وان عربة المصالحة قد عاودت للدوران مجدداً، وان طريق إنهاء الانقسام لم يعد مغلقاً أو باتجاه واحد، بل انه بات طريقاً تم استخدامه واستعماله لمرة واحدة، ومن ثم طويت صفحته الى الأبد .
Rajab22@hotmail.com
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية