مر الزمن سريعاً، ثماني سنوات مرت على ذكرى الانقسام ما بين شطري الوطن. لم نستطع في حينه أن نعطي تسمية لائقة ومحددة، لما حدث.
سميناه الانقلاب، والانشقاق، والحسم الدموي، وغير ذلك من تسميات. لكن ما حدث ميدانياً، وعلى مرأى ومسمع الجميع، هو صراع دموي على السلطة. قام طرف وهو حماس ، بحسم نقاط الخلاف القائمة، ما بينها وبين السلطة، دموياً وبالعنف، وسمى ذلك تصحيحاً!!!... سالت دماء كثيرة، دماء المدنيين، ودماء عسكريين، من ضباط وصف ضباط وجنود، ممن سبق لهم أن أفنوا حياتهم، دفاعاً عن م.ت.ف، وعن الوجود الفلسطيني والكيانية الفلسطينية.
تمكنت حركة حماس، من حسم الأمور عسكرياً، وفرضت سيادتها وقوتها على قطاع غزة ، ومنذ ذلك التاريخ، وهي تمارس سلطتها، ووفق رؤيتها وتصوراتها على القطاع وأهله.
منذ ثماني سنوات، وهي ترتب أمور القطاع، وبكافة نواحيه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وباتجاهات رؤيتها للأمور، جرت حروب، وجرت ممارسات لعزل القطاع، وأهله، من لدن إسرائيل، ومن ثم من لدن جمهورية مصر العربية، التي رأت أن أمنها القومي بات مهدداً، بسبب وجود حماس، وحلفاء حماس في القطاع، وقامت بعزو النشاطات الأصولية المعادية للسلطات المصرية، خاصة في سيناء، لوجود تعاون بين حماس والقوى الأصولية في سيناء... عاش القطاع عزلة، وحالة حصار غير إنساني، تم فرضه على جميع سكان القطاع دون استثناء.. وخلال تلك السنوات الثماني، ما انفكت الجهود العربية، لمحاولة رأب الصدع، وتجاوز حالة الانقسام.
جاء بعضها من السعودية وقطر، ومصر.. وغيرها من الدول، كتركيا.. كانت تلك المحاولات توحي في بداياتها، وكأن المصالحة باتت قاب قوسين أو أدنى، لتظهر الحقيقة المرة، في نهاية كل جهد، وهي بقاء الحال على حاله... ولو كان هناك اتفاق معلن يثلج الصدور، دون أن يضع لبنة حقيقية في إنهاء حالة الانقسام... سئم الشارع الفلسطيني جهود المصالحة، وبات يرى فيها ملهاة ما بعدها ملهاة... وكأن تلك المأساة الوجودية، غير قابلة للإنهاء، وطي صفحة الانقسام.
لا أحد يقول بشرعية الانقسام أو جدواه. الجميع يقول بالفم الملآن، لا للانقسام، ونعم لوحدة الصف، ولكن لكل طرف من الأطراف الفاعلة رؤية للأمور، وطرائق إنهاء الانقسام، ولوسائل نيل الحقوق الوطنية.
الآن، وبعد مرور ثماني سنوات، من عمر الانقسام، الذي لا ندعو له بطول البقاء، لا بد من مراجعة جادة، مراجعة وطنية عميقة، تطال جذور وأسباب ما حدث قبل ثماني سنوات، ولا بد من دراسة متأنية وطنية، يقوم بها الجميع، لما بذل من جهود المصالحة، وما آلت إليه الأمور، بعيداً عن النزق، والتسرع، ومحاولة تحميل الطرف الآخر، مسؤولية ما حدث، وما أسهل ذلك.
ما حصل قبل ثماني سنوات، وما هو قائم ميدانياً، يخدم إسرائيل، ومخططاتها الاستيطانية والتوسعية، ويسهم في اغتيال فكرة قيام الدولة الفلسطينية ذات السيادة.. دون اتهام لأحد، ودون تحميل مسؤولية ذلك، لطرف دون طرف آخر... هذه الخدمة الكبيرة، عبّر عنها قادة إسرائيليون كبار، وأيدوا استعدادهم وحرصهم للحفاظ على حالة الانقسام، لما فيه من خدمات للمشروع الإسرائيلي.
بالمقابل، لا يكفي فلسطينياً، أن ندين ونشجب الانقسام، دون أن نقوم بدراسته وتشخيصه، بهدف الوصول لنقاط عمل مشتركة، فلسطينية ـ فلسطينية، من شأنها أن تضع اللبنات الأولى على طريق تجاوز حالة الانقسام، والوصول إلى اطار عام، يتيح للجميع المشاركة به، مشاركة سياسية، تكفل صنع القرار الوطني الفلسطيني، وبمشاركة الجميع، رغم خلافاتهم الداخلية.
علينا أن نضع نصب أعيننا، دائماً وأبداً، حقيقة واضحة، وضوح الشمس، بأنه لا يوجد شعب في هذا العالم، تمكن من ممارسة حقه في تقرير مصيره بنفسه، وهو منشق على ذاته!!!

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد