طارق عزيز إحدى أسماء التسامح الديني العربية النبيلة ، ترعرع في إحدى أرياف الموصل لأسرة وطنية مسيحية ، و إحدى الفرسان القلائل الذين إعتلوا منابر الثقافة و السياسة دون المساس بإحداهما على حساب الأخرى، و زِد على ذلك التمسك بمبدأ الفكرة و التي أُستشهد من أجلها ، حيث سُويّم أثناء إحتجازه في السجون الأمريكية بالعراق ، أن يكون شاهد ملك بإدانة تلك الحقبة من حكم العراق ، أي حقبة حكم الرئيس صدام حسين ، لذلك قضى في الأسر إثني عشرة عاماً حتى إستشهاده قبل ايام في إحدى السجون الأمريكية بالعراق و هو متمسك بتلك المبدأ، و برحيله هذا يُ فتح الباب على مصرعيه على حقبة ما بعد البعث ، لنلامس محطات أساسية من سقوط العراق في براطيم المحن و المصائب على جميع الأصعدة، من إحتلال صهيوأنجلوأمريكي لضرب الأمن القومي العربي في مقتله ، إلى العبث حتى التغيير و بل الطمس للهوية العراقية ما بين أمراء الطوائف و شيوخ القبائل ، و تجريد المواطن العراقي من قيمته الإنسانية و تدميره فرداً فرداً، و حدّث بلا حرج عن البنية التحتيه المتهالكة و التي لم يُعمّر بها حجراً واحداً منذ رحيل نظام صدام ، و حكومات متعاقبة فقط لنهب مزيداً من المليارات و بيع ما تبقى من وطن في سوق النخاسة لدول إقليمية و ما وراء البحار ، ليصبح هذا البلد الغني بثرواته المادية و الفكرية غارقاً حتى أُذنيه في وحل الإفلاس و التسول على نواصي الأمم ، و هذا يذكرني حين كنت في زيارة علاجية من رصاصة عدو غادر بالمانيا في أواخر ثمانينات القرن الماضي ، حين إستضاف إحدى الأخوة وافد عراقي للدراسة في برلين ، لم يستطيع المكوث أكثر من شهر في تلك العاصمة الألمانية و بل العودة إلى بغداد ، رافضاً أن يتغرب في بلد يساوي و بل أقل تطوراً و إزدهاراً من مسقط رأسه و هذا بشهادة الخبراء الدوليين في ذلك الزمان ، فبعد كل هذا كثير من العراقيين خاصة الذين غُيِبت عقولهم تحت برامج مدروسة بإحكام ، لإسقاط تلك الدولة بحاكمها و نظامها و تاريخها و جغرافيا المكان و الزمان ، يحنّون لعودة هذا العصر الذهبي من الأمن و الرخاء ، لذلك لا نستغرب أن يصبح هذا الشعب العظيم بعد كل المكائد و مؤامرات الدنيا جمعاء من القريب و البعيد مناصراً و مبايعاً لأفكار ريديكالية أو أقصى منها يمينناً ، حتى يدفع معهم هذا الثمن المر من شارك و دمر تلك الدولة العظيمة بدءاً من أبناء جلدتنا مروراً بإسرائيل حتى أمريكا و هذا أولاً، ثم خاب أمل من ظن بتفكك حزب البعث كتنظيم قومي إلى غير رجعة ، ليُصبح هذا الفكر مثل كائن نجم البحر الذي بعد أن يُقطع إرباً إرباً ، ينمو كل جزء قُطع إلى كائن كامل و يتكاثر ، فتتعدى فكرة هذا الحزب حدود القومية إلى جميع أحرار العالم خاصة العالم الاسلامي ، و يصبح التيار البعثي هو الغالب أو المُلهم لكثير من حركات المقاومة الوطنية و الدينية لأمريكا و أدواتها في المنطقة ، و تعود بِنَا الذاكرة إلى أقوال الأديب طارق عزيز المؤثرة ، أبان بداية إحتلال العراق عندما وضع النقاط على الحروف ، عند خسارة جولة من جولات المعركة لا تنتهي الشعوب أو تعلن هزيمتها ، بل تترسخ الفكرة و تنتقل إلى فضاء حيوي أكبر و أعمق بسرعة الضوء و يبقى الصراع مفتوح حتى دحر الغزاة ، لأن صراعنا مع هؤلاء هو صراع وجود .... أيها القائد الأممي الكبير سوف يبقى إسمك طارقاً على أنفاس الغزاة و أدواتهم الرخيصة ، و ستبقى عزيزاً على قلوبنا طالما حِيينا ، و سنحدث للأجيال القادمة سيرتك العطرة و مبادئك التي قضيت من أجلها على مذبح الحرية و الكرامة لهذه الأمة و للشعوب المكافحة ضد الإمبريالية ، و ستبقى لنا المدرسة التي لا تفنى بعد رحيلك عنا بغزارتها من علم المحبة و الوفاء و التضحية من أجل الأوطان ، و في يوم رحيلك عنا توهجت جمرة الكرامة أكثر في قلوبنا لتشع في وجه الغزاة بالنيران ، فالفرسان يصعدون إلى السماء و لكن مبدأ مقاومة الظلم يبقى فينا حتى رحيل الغزاة ....... فنم قرير العين فلا نامت عيون الجبناء !
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية