لا فرق في الجوهر وحتى الشكل بين أن يكون اسم التحالف «الشرق أوسطي ـ ناتو»، أم تحالف «سنّي»، ففي الحالتين، إيران ومشايعوها خارج الحلف، وتركيا، أيضاً، بسبب وجودها أصلاً في «الناتو» الغربي، وفي كل الحالات إسرائيل موجودة في القلب، والرعاية الأميركية هي الضمانة.
وبغض النظر، أيضاً، عن المسمّيات، فإنّ التحالف أو الحلف الذي تسعى أميركا لإقامته في الشرق الأوسط، لا يقتصر على البعدين العسكري والأمني. فلقد تجاوزت اتفاقيات التطبيع كل الخطوط الحمر، حتى اقتحمت الثقافة.
حين يتم العمل والإعلان عن حلف أو تحالف شرق أوسطي، هذا يعني أنه ليس عربياً، أو إسلامياً، ولأنه سيشمل إسرائيل، فإنّ المسمّى يكون منطقياً.
حتى الآن يجري الحديث عن ثماني دول عربية شرق أوسطية، لحضور قمة جدّة بحضور الرئيس الأميركي جو بايدن، والأرجح أن إسرائيل ستكون موجودة بشكل غير مباشر، وهي موجودة بقوّة في كل الحالات.
فلسطين خارج الحلف أو التحالف، سواء من خلال نظامها السياسي، المنقسم على ذاته، أو من خلال قضيتها التي ربما لا يزيد الاهتمام بها، كثير من التصريحات حول رؤية الدولتين والتأكيد على إحياء العملية السياسية، وتأكيد الالتزام بالحقوق الفلسطينية.
إذا كان من المنطقي أن لا تنضم فلسطين إلى حلف، يضعها إلى جانب عدوها، الذي يتنكّر لحقوقها، ويمارس عليها كل أشكال القمع والتمييز العنصري، والتطهير العرقي، فإنّ ثمة تساؤلاً بسيطاً.
السودان دولة شرق أوسطية، وهي قد طبع عسكرها العلاقة مع إسرائيل، وهي ودولة جيبوتي، تطلّان على البحر الأحمر وباب المندب، فلماذا يتمّ استثناؤهما من الدعوة للحلف؟
واضحٌ أن فكرة إقامة الحلف أو التحالف، لا تقبل ضمّ مثل هذه الدول التي ستشكل عبئاً على الحلف، بسبب فقرهما، وما يعانيه السودان من اضطرابات وصراعات، لا تجعله يملك القوة العسكرية والأمنية التي يمكن أن تشكل إضافةً مهمة للحلف. هذا بالإضافة إلى أن السودان وجيبوتي، لا تشكّلان وزناً يُخرجهما من دائرة التبعية لمثل هذا الحلف.
معنى ذلك أن هذا الحلف، سيكون امتداداً شرق أوسطياً لحلف «الناتو» الغربي، الذي تقود كلاهما الولايات المتحدة، ولكن الحلف الشرق أوسطي، لم ينشأ نتيجة خطر تمدد روسيا أو الصين بما يمتلكانه من قدرات نووية تنافس الغرب، وإنما لمواجهة إيران وحلفائها، وفي الجوهر منع قيام حلف عربي قومي.
إذا كان منطق الدول العربية دفاعياً أمام ما يعتبرونه خطراً إيرانياً يتمدد في المنطقة الحيوية العربية، ويشكل تهديداً استراتيجياً ينطوي على طموحات إحياء الإمبراطورية الفارسية، فإن مشاركة إسرائيل الفاعلة تنطوي على أبعاد هجومية، اليوم عنوانها إيران، ولكن عنوانها الاستراتيجي الأمن والثروة العربية.
العرب يسلّمون أمنهم الاستراتيجي لإسرائيل والولايات المتحدة، في ظل تطورات ومتغيرات دولية خطيرة تتجه نحو هدم النظام الدولي السائد، وإعادة بنائه على أساس التعددية، هكذا يعني أن الحلف واحدٌ من الدفاعات الأميركية عن مكانة ودور الولايات المتحدة، وتعريف الأمن القومي العربي لما يمكن أن تفرضه المتغيرات الدولية من موازين قوى جديدة، قد لا تتسامح مع أطراف الحلف الجديد.
في زمنٍ مضى، كانت إيران الشاه، المدعومة أميركياً وإسرائيلياً وكجزء مما كان يُعرف بـ «حلف بغداد»، هي من ناحية، وإسرائيل من ناحية ثانية، التي تقبض على مفاتيح أمن الخليج، والمنطقة المحيطة بفلسطين.
سقط نظام الشاه، وتحولت مفاتيح أمن الخليج لوقت قصير بيد العراق، الذي انتصر على إيران، لكنَّ هذا التحول ما كان له أن يستمر طويلاً، فالمخطط الأميركي، ما كان ليعطي هذه الميزة للعرب في ضوء دعمها الكامل للدور الإسرائيلي.
أخطأ النظام العراقي، حين راهن على إمكانية تحييد الموقف الأميركي. الأمر الذي دفعه نحو غزو الكويت، في مرحلةٍ صعبة على المستوى الدولي، حيث جاء ذلك في ظل انهيار الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية وحلف «وارسو». كانت تلك اكثر من خطأ استراتيجي، فلقد انقسم العرب على أنفسهم، وأدّت الحرب إلى تحرير الكويت وغزو العراق، وتعزيز الوجود العسكري الأميركي، وفقْد العرب أي فرصة لأن يكونوا جزءاً من ضمانات أمنهم الاستراتيجي.
كانت فكرة غزو الكويت، وضمّه إلى العراق، باعتباره المحافظة التاسعة عشرة، خارج سياق المعقول، وخارج سياق المنطق، ذلك أن فكرة توحيد العرب، أو أجزاء من الأمة العربية، ما كان يمكن أن تتم من خلال القوة.
قبل أن يظهر المشروع الصهيوني بعقود كان محمد علي باشا والي مصر، قد فكر بإقامة مشروع قومي عربي فوصلت قواته إلى بلاد الشام، واستقر ابنه إبراهيم في بلاد الحجاز، وقد بنى قوة عسكرية لا يُستهان بها. غير أن الأمر لم يطل على أحلامه حتى تحوّلت إلى مجرّد وهم حين تحالفت فرنسا مع بريطانيا، وهما العدوّتان اللدودتان، وقامتا بتدمير قوة محمد علي باشا.
في هذا الزمان، يبدو أن الوضع العربي أكثر صعوبة، فبعد عبد الناصر الذي استحوذ على قلوب الشعوب العربية، بدون أن يحظى بدعم النظام العربي الرسمي، أصبح من الصعب على العرب أن يُلملموا شتاتهم وأن يبنوا قوتهم الذاتية ومشروعهم الخاص.
انقضَّت إسرائيل على تجربة عبد الناصر، أوّلاً عبر تحالف وعدوان ثلاثي مع فرنسا وإنجلترا، وتالياً حين شنّت حرب حزيران عام 1967، وذلك تأكيداً لأحد أبرز أدوارها الاستعمارية، وهو منع العرب من إقامة مشروعهم القومي التحرري. وخلال عقود، وفيما بقيت سمات الجين العربي على حالها، فلقد جرى تنمية جينات قُطرية، أصبح من الصعب تجاوزها.
الولايات المتحدة عبر سياسة الشرق الأوسط الجديد، وخلال ما سُمّي بـ «الربيع العربي» حاولت فعلياً، فرض خارطة جيوـ سياسية جديدة عبر تقسيم المُقسَّم، وقد ساهم تضارب أدوار القُطريات العربية، في تنفيذ ـ أو على الأقل ـ تسهيل تنفيذ مخطط الشرق الأوسط الجديد، لكن هذه، أيضاً، فشلت فشلاً ذريعاً، حين قاومتها الشعوب العربية في مصر أساساً، وتونس، وليبيا، وسورية.. إلخ. ولكن بالرغم مما يقع أو سيقع إلّا أن القضية الفلسطينية حاضرة يُستعصى على أي حلفٍ في الدنيا تجاوزها طالما أن شعبها ينطوي على مواصفات استثنائية.
المصدر : وكالة سوا
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية