بعد مرور ثماني سنوات على إقدام كتائب القسّام الحمساوية على "حسم" الصراع الميداني على السلطة، بالقوة العسكرية، والتي نجم عنها سقوط حكومة السلطة التي تدير ذاتياً كلا من الضفة الغربية وقطاع غزة ، وتشكيل حكومتين منفصلتين، بل ومتخاصمتين: واحدة مقرها رام الله وتخضع لرئيس السلطة الفلسطينية، والثانية في غزة وتخضع لحركة حماس .
بعد مرور هذه السنوات، آن الأوان لتبديد كثير من الأوهام التي ما زالت عالقة في كثير من رؤوس وقلوب ملايين الفلسطينيين، والتي تظن بأن عقارب الساعة يمكن أن تعود للوراء أو أن توافقاً بين الحركتين اللتين كانتا وما زالتا طرفي معادلة الخصومة الداخلية يمكن أن يحدث!
أولاً وقبل كل شيء نريد أن نذّكر بأن ملايين العرب، لم يستوعبوا قبل عدة عقود، وبالتحديد قبل نحو سبعة عقود، إقامة النظام القطري، حيث كانت أحلام الوحدة العربية تملأ الرؤوس والأفئدة، ورغم وصول أحزاب "قومية" جعلت من شعار الوحدة شعاراً مركزياً لها أو سلّماً للوصول بها إلى سدة الحكم، إلا أنها لم تقدم على خطوة الوحدة، بين كل من سورية والعراق، حيث كان يحكم حزب البعث العربي الاشتراكي.
وتجربة الوحدة الاندماجية الوحيدة التي حدثت بين مصر وسوريا عام 1958 سرعان ما انهارت بعد ثلاث سنوات، أي في عام 1961، وكان حزب البعث السوري أحد مكونات قوة الانفصال!
وطوال حياة عبد الناصر حاول الرجل أن يواصل سعيه للوحدة، آخذاً بعين الاعتبار تحقيقها بالتدرج، فكانت تجارب الاتحاد بين كل من مصر، سورية وليبيا، ثم بين مصر وليبيا والسودان، وكل هذا ظل حبراً على ورق، رغم أن معمر القذافي كان يعتبر نفسه تلميذ عبد الناصر، ورغم الدور المصري في دعم جبهة التحرير الجزائرية، إلا أن الوحدة بين البلدين لم تحدث، فضلاً بالطبع عن الوحدة القومية بين كل الأقطار أو الدول العربية التي صارت _ الآن _ 22 دولة عضواً في جامعة الدول العربية.
من الواضح أن محاولة السعي لتحقيق شيء معاكس لقوة الدفع الإقليمية والدولية ستبوء بالفشل، وحدث هذا كما أشرنا، في محاولات الوحدة العربية التي كان يسعى إليها عبد الناصر رغم وجود حليف كوني له كان يؤثر على نصف العالم (الاتحاد السوفياتي ودول عدم الانحياز)، وبالمناسبة كان عدم تحقيق إقامة الدولة الفلسطينية، فضلاً عن تحرير فلسطين بالكامل، يعود الدرجة الأولى إلى الحرب الباردة والى أن الدولة الفلسطينية كانت ستعد انتصاراً للشرق على الغرب!
يكاد أمر تحقيق إنهاء الانقسام الفلسطيني الداخلي يندرج في هذا الإطار، فهذا الانقسام جاء قبل سنوات قليلة من فتح المجتمعات العربية بهدف تجزئة الدولة القطرية، أي أن إنهاء الانقسام ما هو إلا فعل مضاد ومعاكس لقوة إقليمية / دولية تقوم بتفكيك الدول العربية تباعاً: ليبيا، العراق، سورية، اليمن، السودان، فكيف يسمح لفعل فلسطيني أن يجيء عكس التيار الإقليمي؟
أما عن دوافع الأطراف والقوى الداخلية، فمن لديه رغبه حقيقة في إنهاء الانقسام عاجز عن تحقيق رغبته، بل وحتى عن أن يكون فاعلاً مهماً داخلياً، في حين أن القوى وحتى الأفراد في معظمهم باتت لهم مصلحة في بقاء حالة الانقسام، لدرجة أن يقوم البعض بكل فعل من شأنه تعطيل أية خطوات لإنهائه أو عدم الاهتمام، كما في حالة الأفراد الذين لا حول لهم ولا قوة.
حماس التي أقدمت على الانقسام بدافع تفضيل السيطرة الكاملة على غزة، على حكم مشترك مع أو تحت حكم الرئيس الفتحاوي لكل من غزة والضفة و القدس ، أو بدافع الاعتقاد بقدرتها على السيطرة تالياً على الضفة، بالقوة كما فعلت في غزة، ترفض العودة إلى أقل مما حصلت عليه بالانقسام، وآخر ما وصلت إليه، بعد أن "جارت أو ضاقت" الدنيا عليها بما رحبت، بعد سقوط حكم الإخوان في مصر، هو منح "فتح" سيادة خارجية شكلية، لا تتنازل عبرها حتى عن ضريبة المعابر، ومقابل رواتب موظفيها في غزة، أي أنها خرجت من الحكومة ولم تخرج من الحكم، وفتح لا تقبل بالأمر الواقع، وترفض سيادة منقوصة على غزة مقابل شراكة حماس في السلطة في الضفة والمنظمة، وهكذا هي تشعر بالتحرر من الضغط أو المحاسبة في حكم الضفة وكذلك في التمثيل والتفاوض.
أما الفصائل الأخرى , فمنها من يعتبر أن غزة خارج سيطرة السلطة تبقي على قوته العسكرية التي تحقق له مكانة إقليمية، ومنها من لا حول له ولا قوة، أما موظفو حماس فإما الراتب والرتبة أو الانقسام الذي حقق لهم رواتب ومراتب ما كانت لتتحقق دونه، كذلك تحرر القسام من مضايقة السلطة الشرعية.
أما موظفو السلطة فيتقاضون رواتبهم دون مقابل، بل إن بعضهم يعمل عملاً آخر يدر عليه عوائد إضافية.
حتى التجمعات أو الشخصيات المستقلة، تفضل بقاء الانقسام ليبقى لها دور تروج فيه لبضاعة باتت قديمة أو كاسدة، تماماً كما هو حال عناصر المقاومة أو حركة التحرر الذين صاروا أسرى الحالة، لدرجة مقاومة تغييرها؛ حتى لا يجدوا أنفسهم في حالة بطالة، لذا يفضلون أن يظل الوطن محتلاً حتى يقاوموا، كما هو حال من يفضل أن يبقى الانقسام حتى يظل في دائرة الضوء كفاعل ضده ومن أجل ادعاء العمل على إنهائه.
وهكذا يبقى الحال على حاله بالرغم من إرادة وربما رغبة وحتى دون وعي من الكثيرين، حيث أن حالة مرفوضة مع مرور الوقت تصبح حالة يتم التعايش معها، ومع مرور مزيد من الوقت بوعي أو بدونه ينشأ رفض لتغييرها، حتى لو باللاشعور أو باللاوعي، أو على الأقل عدم الرغبة في ذلك.
وبالتأكيد من باب أولى تقديم الحجج الواهية لعدم إنهاء الانقسام، أو حتى التشبث بالمطالبات الخاصة التي تجعل من المستحيل إنهاءه، وعدم الاستعداد لتقديم التنازلات من أجل وضع حد نهائي له!
Rajab22@hotmail.com
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية