نخفي ألماً ووجعاً ودموعاً أحياناً، ونحن نرى صوراً لعمال كادحين وقد ناضلوا معنا طويلاً، وقدموا إلى جانبنا الكثير من التضحيات خلال مسيرة الثورة الفلسطينية المعاصرة، ورأيناهم في ساحات الاشتباك والمواجهة أبطالاً، وقد تذوقوا معنا قسوة حياة السجن لسنوات طويلة، وشاركونا النضال خلف القضبان، وكنا شهود على عذاباتهم وآهاتهم وقوة إرادتهم، واليوم جيوبهم فارغة وبطونهم خاوية وبيوتهم متواضعة!.

إن الكثير من الفلسطينيين كان الاعتقال وسنوات السجن ومضايقات الاحتلال سبباً رئيسياً في انتقالهم بعد الخروج من السجن، من مقاعد الدراسة الى سوق العمل والكدح، ومنهم من فقدوا القدرة على العمل بسبب كبر سنهم، أو جراء ما ورثوه من أمراض خلال فترة سجنهم، وقد غَزت الأمراض أجسادهم، فضاقت بهم الدنيا وتكالبت عليهم الديون وثقلت الهموم.

ان الاحتفاء بيوم العمال الذي يُصادف في الأول من آيار من كل عام، يتطلب منا الوفاء لأولئك العمال من الأسرى المحررين، والسعي إلى توفير مستوى لائق من الحياة الكريمة لهم ولأسرهم.

لقد اثبتت تجارب الشعوب أن لا انتصار لثورة ولا حرية لوطن وازدهار لدولة، دون نضال ومشاركة العمال والكادحين. والطبقة العاملة الفلسطينية شاركت بفاعلية وكانت وقود للثورة الفلسطينية والانتفاضات الشعبية المختلفة وعماد المجتمع وحماة الوطن وبناة الدولة الفلسطينية، وكانت الأكثر تميزاً بنضالاتها وعطائها وتضحياتها، وقدمت، على مدى العقود الماضية، تضحيات جسام في كافة الظروف والأزمنة، ومئات الآلاف من الشهداء والجرحى والأسرى. ليس هذا فحسب، وانما رفدت الثورة الفلسطينية والانتفاضات كافة برموز بارزين وقادة مميزين، وجنود رائعين في كل المجالات، وقد شكَّلوا داخل السجون البنيان الأساسي للحركة الوطنية الأسيرة.

لقد شكّل العمال والكادحين النسبة الأكبر من مجموع الاعتقالات الإسرائيلية التي سُجلت منذ استكمال الاحتلال للأراضي الفلسطينية عام 1967، وان تلك الاعتقالات لم تطال من انخرطوا مباشرة في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي فقط، وانما امتدت وطالت العديد من أقاربهم وأحبتهم. كما وشملت من وهم في طريقهم لكسب رزقهم ورزق عائلاتهم وقوت أطفالهم، وأن الكثير من هؤلاء تعرضوا للاعتقال والاحتجاز بحجة عدم حصولهم على تصاريح عمل، وصدر بحقهم أحكاما مختلفة لبضعة شهور أو تفرض عليهم غرامات مالية باهظة، أو الاثنين معاً، وفي مرات كثيرة جرى احتجاز واعتقال العمال لغرض التضييق وبهدف الضغط عليهم ومحاولة لابتزازهم ومساومتهم مقابل منحهم تصاريح الحركة والسماح لهم بالتنقل والعمل في الداخل للحصول على لقمة العيش.

وهذا ما يحصل بشكل شبه يومي مع العمال الفلسطينيين، وخاصة الشباب منهم، اثناء توجههم من الضفة الغربية وقطاع غزة إلى الأراضي المحتلة عام 48 للعمل فيها، كما ولم يسلم العاملين في مهنة الصيد قبالة شواطئ غزة من هذا الاجراء التعسفي وبطش المُحتل ونيران الزوارق الإسرائيلية في عرض البحر. وتُفيد hلمعطيات الإحصائية أن غالبية الأسرى والمعتقلين القابعين اليوم في سجون الاحتلال هم من طبقة العمال والكادحين.

ان أوضاع الطبقة العاملة الفلسطينية لاسيما في قطاع غزة تزداد بؤساً ومعاناة، وهي الأكثر تضرراً وتدهوراً، جراء الحصار الخانق منذ سنوات طوال ومنع استيراد المواد الخام، وانعدام المشاريع التشغيلية وفرص العمل، وتدمير مئات المصانع، واستشراء البطالة، وتفكك النسيج الاجتماعي جراء "الانقسام"، حيث تُفيد التقارير الاقتصادية بأن السواد الأعظم منهم يعيشون تحت خط الفقر في أوضاع مزرية يرثى لها، في ظل مستقبل مجهول .

وهنا نُذكر بأن من بين "جيش البطالة" يوجد آلاف من الأسرى السابقين ممن أمضوا فترات مختلفة في الأسر، ويعانون عجزاً جسدياً أو نفسياً، وكثير منهم يعانون الحرمان من الحق في حرية الحركة والتنقل من وإلى قطاع غزة بذريعة "المنع الأمني"، وهذا ما يُحرمهم الحق في العمل بالداخل الفلسطيني.

ان طبقة العمال والكادحين في فلسطين، وخاصة في قطاع غزة، تعيش في كابوس من الظلم والقهر يتطلب تدخلاً عاجلاً من المجتمع الدولي ومؤسساته المختلفة لتحمل مسؤولياتهم الإنسانية والإغاثية والقانونية وتفعيل دورهم بما يتناسب وحجم الكارثة التي يعيشها هؤلاء ومحيطهم الاجتماعي بما يكفل لهم مستوى لائق من الحياة الكريمة، في وطن حر بلا احتلال واستيطان، ودون سجون وحواجز وجدار، وبلا انقسام أيضاً.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد