مركز اسرائيلي:حماس تناور في ميدان معقد

القدس / سوا / "في غزة هناك سلطة مستقلة تتصرف وكأنها دولة، داخل هذه الدولة توجد سيادة، وهي في يد حماس ، ولا يوجد لحماس الى يومنا هذا بديل" هكذا قال قائد مقر الجنوب سامي ترجمان، في المؤتمر الذي انعقد مؤخرًا في "نحال عوز"، لكن التنظيم يواجه اليوم تحديات معقدة من الداخل والخارج؛ أولًا: وقبل كل شيء عليه ان يدفع عملية الإعمار المتعثرة البطيئة في قطاع غزة ورفع مستوى الحياة المتدني للسكان، وثانيًا: عليه تحسين موقفه أمام قيادة السلطة الفلسطينية التي تقودها فتح والتغلب على الخلاف والنفور الآخذان في التعمق بينه وبينهم، وثالثًا: عليه ان يحافظ على البنى العسكرية التي من شأنه ان يستخدمها في جولة المواجهة القادمة مع إسرائيل في حال وقعت المواجهة، وبينما تقوم بذلك فالمطلوب من حماس مواجهة مجموعات الجهاد السلفي التي يتصاعد صراعه معها يومًا بعد يوم، وفي النهاية على حماس ان تناور – سياسيًا واقتصاديًا – في المدى المعقد بين الإسلام السياسي "الاخوان المسلمين" المرعيين من قبل قطر وتركيا وبين الدول العربية البرغماتية وبين إيران التي تتقدم المحور الشيع الراديكالي في الشرق الأوسط.

محور الإسلام السياسي
مفاوضات غير رسمية مع إسرائيل مقابل تهدئة طويلة الأمد


في الفترة الأخيرة؛ نُشرت أخبار حول مفاوضات غير رسمية بين ممثلين إسرائيليين وأشخاص من حماس، وعلى ما يبدو في أعقاب مقترح قدمته كل من تركيا وقطر يقضي بإقامة ميناء ومطار في قطاع غزة في مقابل هدنة تستمر لخمسة أو عشر سنوات، أخبار هذه الاتصالات أثارت حفيظة فتح، فموضوع الميناء يظهر في الصياغة المصرية التي أسست اتفاقية وقف إطلاق النار مع انتهاء عملية "الجرف الصامد" على أنها قضية للنقاش المستقبلي، ووفق المقترح المتحدث عنه يُنشأ في فترة التهدئة ميناء عائم قبالة شواطئ غزة ويكون تشغيله تحت إشراف ومراقبة الناتو، ويؤكد المقترح على ان البضائع التي ستدخل الميناء ستسهم في إعمار القطاع، بل ويمكن نقلها الى الضفة الغربية.


في حال وجود مثل هذه الاتصالات فعلًا فإنها تخدم حماس الى حد كبير، فمحاولة حماس فعليًا إقامة ميناء في غزة، حتى ولو اضطرت في سبيل ذلك الى إجراء مفاوضات رسمية مع إسرائيل، يمكن ان يدعم نسبة تأييدها الجماهيري في القطاع على حساب القيادة الفلسطينية، وخصوصًا على خلفية الخصومة والاتهامات المتبادلة بين التنظيم وقيادة السلطة الفلسطينية التي تعيق تحويل الأموال التي تم التعهد بها من أجل إعمار القطاع ودفع الرواتب.


في حين ليس هناك الى الآن أي مصادقة اسرائيلية رسمية أو حمساوية بخصوص إجراء هذه الاتصالات، وبناءً عليه يجب الانتظار والمراقبة: إذا توفرت أدلة موثوقة من هذه الجهات أو من مصدر ثالث عن وجود تقدم من أي نوع في ملف الميناء سيكون من الممكن حينها الإشارة الى انجاز حقيقي لحماس، سيسجل لصالحها في الرأي العام الفلسطيني، سواء أمام السلطة الفلسطينية أو في قطاع غزة نفسه.

الدول العربية البرغماتية
اتفاق مصالحة فلسطينية داخلية جديد؟


محمود الزهار، عضو القيادة السياسية في حماس، دعا بداية مايو العربية السعودية ودولًا عربية أخرى الى تقديم اتفاق مصالحة جديدة بين حماس وفتح، والى تشكيل لجنة لمراقبة تنفيذها، وزعم الزهار ان حكومة الوحدة التي اتفق بشأنها في ابريل العام 2014 (اتفاقية الشاطئ) قد فشلت في معالجة أمور القطاع، كما وزعم ان حماس تعارض طلب عباس بتسليم السيطرة على معابر القطاع الحدودية لقيادة السلطة الفلسطينية؛ لذلك يجب بلورة اتفاق يستجيب لموقفها بهذا الصدد.


في ذات الوقت تزداد الفجوات بين التنظيمين، وسيما على خلفية الفشل في إعمار القطاع، تخوف عباس من انفصال غزة عن الضفة الغربية الذي تقوده حماس الى وقوعه، وانتقادات حماس لسياسة عباس تجاه إسرائيل، والتي يفسرها التنظيم على انها ضعف وخنوع، صيحات "انصرف يا عباس" تظهر في أحايين كثيرة في وسائل الإعلام وفي الحوار الشعبي في القطاع.


توجه الزهار الى العربية السعودية يراد منه تحسين العلاقات مع الرياض، ومن خلالها محاولة تصحيح العلاقات المتردية بين حماس والقاهرة الى يومنا هذا، مصر بقيادة الجنرال عبد الفتاح السيسي تعتبر حماس تنظيمًا إرهابيًا، وتشترط فتح معبر رفح بتسليم المسؤولية عنه الى السلطة الفلسطينية، ولكن ومن خلال تخفيف العبء بشكل غير مباشر مع مصر تأمل حماس ان تخفف بعض الشيء من معاناة سكان القطاع، ومن معاناتها هي في أعقاب إغلاق معبر رفح وإنشاء منطقة أمنية عازلة في شبه جزيرة سيناء على طول الحدود مع غزة، بهذا الخصوص جزئية محاولة التقرب من العربية السعودية، تعهدت حماس في مارس 2015 بوقف عملية التحريض الإعلامي التي تقوم بها ضد القاهرة.


موافقة قيادة حماس على تقديم اتفاق مصالحة فلسطينية داخلية جديدة بدعم من السعودية ومصر من شأنها ان تفهم على أنها دليل على استعدادها للاعتراف بالقيادة الفلسطينية كممثل قومي رسمي على الأقل، ولكن حتى لو ساعد هذا الاجراء فلن يكفي لجسر هوة الخصومة المريرة المزمنة بين فتح وحماس، والتي أضيف إليها في السنوات الأخيرة خلافات حول السيطرة على المعابر على وجه الخصوص، والسيطرة على القطاع عمومًا، وكذلك المسؤولية عن دفع رواتب أعضاء حماس العاملين في المنظومة السلطوية في قطاع غزة.


إلى منظومة ألعاب القوة المعقدة هذه انضم أيضًا دعم حماس ل محمد دحلان ، وهو رجل فتح الذي (طرد من صفوف التنظيم في 2011) مركز تأييده الجماهيري في قطاع غزة، ويعتبر عاملًا ذا تأثير نابع من علاقاته بمصر ودول الخليج، وعلى رأسها قطر ودبي، ولذلك يمكن النظر إليه على انه عامل يستطيع ان يحقق تفاهمات بشأن المصالحة بين حماس وفتح؛ بل إرفاقها بضمانات أمنية واقتصادية، وكذلك اعتبر دحلان منافسًا بارزًا أمام عباس على قيادة السلطة الفلسطينية، وفي أغسطس العام الماضي زعم عباس في لقاء مع الأمير القطري ان حماس تقوم باتصالات وثيقة مع دحلان، وأن الأخير يهتم بتحويل الأموال للتنظيم.


في صفوف حماس؛ سمعنا أيضًا دعوة الى تعيين دحلان كرئيس للسلطة، وعباس من جانبه يرفض بشدة أي محاولة للحل مع حماس قد تسمح لدحلان بالعودة الى حظيرة فتح، ولذلك أضيف هذا الأمر الى بقية الفجوات العميقة في المواقف بين فتح وحماس، ويبدو ان فرص تحقيق المصالحة في المنظور القريب بين المعسكرين المتناحرين قليلة، شكلية أو جوهرية.

أمام إسرائيل
الاستعداد للمواجهة المستقبلية بمساعدة متجددة من إيران


بالتوازي مع البحث عن سبل رأب الصدوع التي تسمح ببلورة تفاهمات جوهرية مع فتح؛ تحتفظ حماس بقناة ارتباط مع إيران، التحركات في هذه القناة يقودها أعضاء المكتب السياسي للتنظيم موسى أبو مرزوق وعماد العلمي، التعاون بين الطرفين قد تم تجميده فعلًا لفترة في السنوات الأخيرة لأسباب عدة من بينها الموقف الذي اتخذته حماس بشأن الحرب الأهلية السورية ومعارضتها لنظام الأسد، غير ان التنظيم عاد وأكد اعترافه بأهمية ومكانة إيران الإقليمية واعترافه بالدعم المهم الكبير التي تقدمه للجناح العسكري في الحركة.


إضافة الى هذا كله؛ فقد ترتقي العلاقة بين إيران وحماس درجة في حال نحت جهود محمد الضيف، والذي تعين مرة أخرى مؤخرًا كقائد لكتائب عز الدين القسام، في التوصل الى وثيقة موقعة مع إيران، كما جاء في تقارير إعلامية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي على الساحة الفلسطينية، ووفق هذا الاتفاق فستوفر إيران الارشاد والتدريب لوحدة الكومندو التابعة لحماس وكيفية تحريك الطائرات غير المأهولة.


تحسن العلاقة مع إيران يعتبر أحد العبر المستفادة من عملية "الجرف الصامد" والتي تتضمن من بين الكثير من الأمور: الاعتراف بالحاجة الى ترميم البنى التحتية للأنفاق في قطاع غزة، ومن مناطقه الى الداخل الإسرائيلي، وإطالة مدى الصواريخ، وإقامة تحصينات على طول الحدود مع مصر، الضيف شخصيا يعتبر ان استنزاف الاقتصاد والمجتمع المدني في إسرائيل أهدافًا مركزية في المواجهة المستقبلية، والتي يمكن تحقيقها بعدة طرق من بينها تحويل إيلات الى هدف مفضل للمهاجمة وإطلاق النار المكثف تجاه البلدات في منطقة غلاف غزة.

الانعكاسات المترتبة على إسرائيل


قائد مقر الجنوب أشار في عرضه الأخير في "نحال عوز" الى انه يتوقع مواجهات أخرى بين إسرائيل وحماس، وإلى الحاجة المتواصلة للمواجهة العسكرية في غزة مرة كل بضع سنوات، وليس هذا مفاجئًا، فهناك الكثيرون ممن يشاركه ذلك من أعضاء المؤسسة الأمنية السياسية والباحثين الإسرائيليين، وإذًا فالهدف المعلن لحماس كان وسيبقى رفع الحصار عن غزة وإعمارها، ويبدو ان التنظيم يميل الى التقدم نحو أي قناة فاعلة تقوده الى تحقيق هذا الهدف، والى ذلك، ورغم تصريح أحمد بحر، نائب رئيس المجلس التشريعي بغزة في مايو 2015، بأن "حماس لديها 100000 رجل مستعدون للقتال في سبيل تحرير فلسطين وطرد الجنود الصهاينة حتى آخرهم عن أرضنا" يبدو انه في الوقت الحالي فإن الجناح العسكري غير معني البته في المبادرة للمواجهة، وسيما طالما انشغل باستخلاص العبر من جولة القتال الأخيرة مع إسرائيل وترميم بناه التحتية.


تحقيق تهدئة طويلة الأمد وإعمار قطاع غزة هما هدفان أساسيان ليس لحماس وحدها؛ وإنما لإسرائيل أيضًا، وعلاوة على هذا ووفق التقديرات (نظرة عليا رقم 671 في مارس 2015 بقلم: أودي ديكل وكوبي ميخائيل) فإن إعمارًا موزونًا ومراقبًا لقطاع غزة سيقلص الى حد كبير دوافع حماس في بدء جولة عنف أخرى، ولكن على إسرائيل ان تدرس جيدًا حجم تأييد عملية التوجه لإنجاز تفاهمات بشأن التهدئة مع حماس، والذي قد يضعف موقف السلطة الفلسطينية، وذلك بالإضافة الى المنفعة النسبية الكامنة في تحقيق التهدئة المؤقتة على الساحة الغزية.


تحاول حماس في هذه الأيام المناورة بين الأقطاب التي لا تبدو آثارها متكافئة على المسار المستقبلي، في هذه الظروف تستطيع إسرائيل محاولة القيام بمبادرة حذرة لإعمار القطاع من خلال التحدث الى القيادة الرسمية للسلطة الفلسطينية ومصر، ومن خلال استغلال تشارك المصالح الأمنية بينها وبين دول عربية معتدلة، والتي تشكلت على خلفية توسع النفوذ الإيراني في هذه المنطقة وصعود تنظيم "الدولة الاسلامية"، وفي جميع الأحوال ننصح إسرائيل بمراقبة التطورات على الجبهات ذات الصلة بسياسة حماس وتقويض خطواتها ودراستها ودراسة تأثيرها العملي المحتمل بشأن الطريقة الذي ستختار حماس سلوكه.

مركز دراسات الامن القومي الاسرائيلي

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد