عمليات إطلاق النار والطعن التي نفذها فلسطينيون في الفترة الأخيرة وخاصة شهر آذار (مارس) الماضي أذهلت وخلقت حالة من الفزع وعدم الشعور بالأمان لدى أعداد كبيرة من الإسرائيليين الذين باتوا لا يثقون بالمؤسسة الأمنية وخاصة جهاز الشرطة. ومع التحريض الشديد على وزير الأمن الداخلي عومر بارليف فهو أيضاً أضحى غير أهل للثقة لدى قطاعات واسعة من الرأي العام. وفي نفس الوقت خضعت هذه العمليات لمحاولات تقييم من قبل العديد من الأجهزة والمسؤولين والمحللين والمراقبين في إسرائيل. ولكن لم تصل مستويات التحليل إلى رأي واضح وقاطع كيف يمكن لإسرائيل تجنب مثل هذا الوضع أو حتى كيف يمكن السيطرة عليه.
بعض الخبراء والمحللين تحدثوا عن ثلاثة مخاطر رئيسة يمكن ان تشعل الوضع في المناطق الفلسطينية وتقود إلى ردود فعل عنيفة. أولها موضوع القدس في شهر رمضان ، وحساسية الأمر للفلسطينيين دينياً ووطنياً. والثاني، هو إرهاب المستوطنين اليهود في الأراضي المحتلة وما يمكن أن يقود إليه من توتر ومقاومة. والثالث، هو سقوط عدد من الشهداء والمصابين الفلسطينيين. وكانت المفاجأة بعمليات حصلت في الداخل ونفذها مواطنون يحملون الجنسية الإسرائيلية من أم الفحم والنقب، وهذا ما لم يكن بالحسبان، خاصة وأن الجهة التي تبنت هاتين العمليتين هي تنظيم الدولة الإسلامية «داعش». وهذا تطور جديد طرأ على معادلة الصراع، حتى لو كان هناك تشكيك في حقيقة قيام «داعش» بهذا العمل.
في الواقع، لا يستوعب الإسرائيليون أن استمرار الاحتلال سيقود حتماً وعلى الدوام مقاومة فلسطينية تحدث على موجات قد تكون متقاربة أو متباعدة ولكنها متواصلة ما استمر الاحتلال والقمع الذي يتعرض له الفلسطينيون، ولا تأثير لإجراءات التحسين الاقتصادي التي يعتقد بعض الساسة في إسرائيل أنها قد تؤثر على الأجواء في المنطقة وقد تمنع المقاومة الفلسطينية وخاصة العنيفة منها. وفي كل مرة يحدث ما يشبه المفاجأة، على الرغم من أن التقديرات الأمنية تشير إلى احتمال اندلاع مواجهات للسباب المذكورة أعلاه أو لأسباب قد لا تكون في الحسبان في لحظة التقدير.
مشكلة إسرائيل الجوهرية هي أن قادتها لا يستوعبون ولا يفهمون بعد العقلية الفلسطينية وطريقة تفكير الشعب الفلسطيني، الذي وإن عاش لحظات هدوء فهو لا ينسى الاحتلال. وكيف له أن ينسى وهو يواجه إجراءاته ليل نهار مع المستوطنين والحواجز، وعمليات الهدم ومصادرة الأراضي والاعتقالات والتنكيل التي لا تتوقف لحظة. وما يجري في القدس على وجه الخصوص من عمليات تهويد مكثفة وتسابق الزمن. وعملياً فإن كل محاولات شراء الصمت الفلسطيني أو ما يسمونه الهدوء هي فاشلة بامتياز ولا ترُق إطلاقاً للحد الأدنى الذي يمكن للشعب الفلسطيني القبول به لا الآن ولا في المستقبل.
المعالجات الإسرائيلية لواقع الصراع والاحتلال هي على الأغلب معالجات أمنية، تركز على عمليات التصفية والاعتقال للخلايا التي تنفذ عمليات إطلاق النار، وهذا يجري أساساً ضد التنظيمات الفلسطينية وهي عمليات جراحية موضعية، لا تحل المسألة من جوهرها؟ فلو تم القضاء على خلية أو اعتقال أفرادها، فهذا لا يلغي إمكانية تشكيل خلايا جديدة أكثر تدريباً وقدرة، كما يحصل في كل مرة. كما لا يمكنها معالجة المقاومة الفردية التي يقدم عليها أفراد بدون علم أحد وبدون تخطيط ولا أحد يتوقعها. وحتى هذه المعالجة هي قاصرة بالفعل، ولا تصل أبداً لوضع الحلول الجذرية التي تتطلب علاجاً لجوهر المشكلة وهي استمرار الاحتلال وكافة إجراءاته القمعية والعنصرية. بل إن ما نشهده في الفترات الأخيرة هو تصعيد منهجي وممارسة سياسة فصل عنصري فاقعة ضد الفلسطينيين باعتراف منظمات حقوقية دولية وحتى إسرائيلية.
عندما تسود المناطق الفلسطينية حالة من الهدوء يشعر الإسرائيليون بأن الوضع جيد ولا حاجة للبحث في القضايا السياسية، وعندما تحصل مواجهات يقول الإسرائيليون إنهم لا يتفاوضوا تحت ضغط «الإرهاب». وفي الحالتين لا توجد أي نوايا إسرائيلية لإنهاء الاحتلال ومعاناة الشعب الفلسطيني. وكل ما تقوم به السلطات الإسرائيلية يأتي في اطار التخبط والهروب إلى الأمام وتجاهل الواقع الذي تشهده المناطق الفلسطينية والذي ينعكس على إسرائيل بكل التفاصيل، وفي كل مكان. ولا يتذكر الإسرائيليون الصراع والاحتلال إلا عندما تحدث عمليات فلسطينية. عندها يتحدثون عن حلول ومعالجات فاشلة ومتكررة.
لسوء حظ الإسرائيليين اندلعت الحرب في أوكرانيا، ومن بين الأشياء التي طرحتها بقوة مسألة ازدواجية المعايير الدولية ولدى الغرب على وجه التحديد. وهي بطريقة أو بأخرى ست فتح بعد أن تضع الحرب أوزارها ملف الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي والاحتلال الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني بكل فظائعه، بما في ذلك محاكمة إسرائيل أمام الهيئات والمحاكم الدولية وعلى رأسها محكمة الجنايات الدولية. وفي الواقع بدأ بعض الإسرائيليين يحاولون تنبيه المستوى الرسمي لضرورة فعل شيء في ملف الصراع حتى لا تفتح على إسرائيل بوابات القانون والمعايير الدولية. ولكن الحكومة الإسرائيلية الحالية ليست في وارد التفكير حتى في إحداث أي تغيير إيجابي حتى لو كان محدوداً، بل هي تمعن في ممارسة مخالفاتها وجرائمها بشكل يومي ودائم ظناً منها أنها محصنة بالدعم الأميركي والغربي.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد