آداب الصيام في شهر رمضان المبارك
فرض الله سبحانه الصيام على المسلمين من أمة محمد - صل الله عليه وسلم- كما فرضه على الأمم التي سبقتها، وذلك بقوله: "يا أيها الذين ءامنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون".
وعرف الصوم شرعا بأنه الإمساك بنية التعبد عن الأكل والشرب وغشيان النساء، وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وقد فرضه الله على المسلمين يوم الاثنين من شهر شعبان في السنة الثانية للهجرة.
وذكر في فضل الصوم أحاديث كثيرة للنبي- صل الله عليه وسلم-، حيث قال:" من صام يوما في سبيل الله زحزح الله وجه عن النار بذلك اليوم سبعين خريفا"، وقوله: " إن للصائم عند فطره دعوة لا ترد"، وقوله:" إن في الجنة باب يقال له الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوه أغلق فلم يدخل منه أحد".
وشرع الله لعبادة الصوم آدابا ينبغي للمؤمن أن يلتزم بها؛ ليؤدي صومه على أكمل وجه وأحسن حال وينال الثواب التام.
والمؤمن يستحب له أن يكون معظما للسنة متبعا لهدي الرسول- صل الله عليه وسلم- في جميع شؤونه، خاصة فيما ما يتعلق بجانب العبادات لقوله تعالى: (لقد كان لكم في رسول اللَّه أسوة حسنة لمن كان يرجو اللَّه واليوم الآخر).
وليست العبرة فقط بفعل العبادة، إنما العبرة أن تكون العبادة موافقة للشرع في الظاهر والباطن، والمتأمل في أحوال بعض المسلمين يجد تقصيرا ظاهرا في عدم الاهتمام بالآداب، ويجد طائفة منهم يأتون في صومهم بأفعال وأقوال ليست من السنة، وإنما تلقوها من العامة والجهال والعادات الشائعة.
وآداب الصوم منها ما هو واجب الحكم، يأثم المرء بتركه، ومنها ما هو مستحب، يؤجر على فعله ولا يأثم بتركه، ومن هذه الآداب الإخلاص، وهو أن يبتغي المسلم بصومه ثواب الله ومرضاته والدار الآخرة، ولا يكون غرضه في ذلك سمعة أو ذكرا أو عرضا من الدنيا، وهو شرط لصحة الصوم لا يقبل بدونه، قال الرسول- صل الله عليه وسلم: "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه".
ومن الآداب أيضا السحور، فيستحب للمسلم أن يواظب على السحور من طعام وشراب وقت السحر، فإنها أكلة مباركة لقول النبي- صل الله عليه وسلم-: "تسحروا فإن في السحور بركة"، وكلما أخر المسلم سحوره كان ذلك أفضل، لفعل النبي- صل الله عليه وسلم- فقد كان يؤخره حتى ما يبقى على الأذان إلا قدر تلاوة خمسين آية.
كما يجزئ السحور بأي شيء ولو حسوات من ماء، لقوله - صل الله عليه وسلم-: "السحور بركة فلا تدعوه و لو أن يجرع أحدكم ماء، فإن الله و ملائكته يصلون على المتسحرين".
وعلى الصائم أن يشتغل بالذكر والنافلة، وأن يملأ نهاره بأنواع الطاعات من تلاوة للقرآن والدعاء والتسبيح، والتهليل والتحميد والتكبير، والتطوع بالصلاة والصدقة وأنواع الإحسان للمسلمين وغير ذلك من القرب، وفي الليل يشتغل بقيام الليل والتدبر في كتاب الله؛ لما في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان، وكان أجود بالخير من الريح المرسلة".
وذكر من آداب الصيام في رمضان أيضا، أنه يجب على الصائم أن يحفظ صومه من اللغو وقول الزور وفعل الزور، ومن جميع المعاصي والسيئات التي تنقص ثواب الصوم، فإن الصوم الشرعي يقتضي الإمساك عن جميع المحرمات الحسية والمعنوية، وذلك لقول الرسول- صلى الله عليه وسلم-: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه"، وقال جابر رضي الله عنه: "إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب ".
ومن الآداب العظيمة، ترك المراء والسباب والغضب والمشاتمة أثناء الصوم، فالمشروع للمسلم إذا صام أن يكون حليما مالكا لنفسه، مسيطرا على مشاعره متحفظا من لسانه لا يستثار ولا يغضب لأتفه سبب، ولا يخرج عن طوره في المضايقات والخصومات، والمشاحنة على منافع الدنيا ومصالحها، لقول النبي - صل الله عليه وسلم -: "إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم".
وقال أهل العلم أن من آداب الصيام في رمضان، الالتزام بأداء الصلوات في وقتها أثناء الصوم لقوله تعالى: (إِن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا)، وقد شدد الله في مواقيت الصلاة، فيجب على المسلم أن يؤدي الصلاة في وقتها، ولا يجوز له تأخيرها عن وقتها المحدد شرعا بغير عذر شرعا كنوم ومرض ونحوه، وتأخيرها كبيرة من الكبائر المتوعد عليها.
ويستحب للصائم أن يختم صومه بالذكر والدعاء الوارد، ويستغل هذه اللحظات بما ي فتح الله عليه من الدعاء بخيري الدنيا والآخرة؛ ليختم عمله بخير ولأن هذه ساعة إجابة ووقت لنزول البركة، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد".
والأفضل أن يكون وقت الدعاء يكون قبل الفطر لانكسار النفس وقربها من الله، أما الذكر الوارد عن الرسول صلى الله عليه وسلم: "ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله"، والمأثور عن الصحابة: "اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت".
وأضاف الصحابة - رضي الله عنهم- على الآداب، تعجيل الفطور عند دخول وقت المغرب بغياب قرص الشمس، لما ثبت في الصحيحين: "لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر"، ولا عبرة ببقاء الشعاع الأحمر. فإذا غربت الشمس استحب للمسلم الإفطار فورا قبل الصلاة من غير تأخير.
وهذا العمل من أسباب محبة الله لأنه فرح بنعمة الله وشكره لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "قال الله عز وجل: أحب عبادي علي أعجلهم فطرا"، ويكره التأخير إلى وقت العشاء كعادة اليهود والنصارى كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنهم بقوله: "لا يزال الدين ظاهرا ما عجل الناس الفطر إن اليهود والنصارى يؤخرون".
ومن السنة للصائم أن يفطر على رطب، أو على تمر، أو على ماء، لما روي في السنة من حديث أنس بن مالك: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فإن لم يكن فعلى تمرات، فإن لم تكن تمرات حسا حسوات من ماء"، وقال رسول- الله صلى الله عليه و سلم- : "إذا كان أحدكم صائما فليفطر على التمر، فإن لم يجد التمر فعلى الماء فإن الماء طهور".