بادئ ذي بدء، لا يحق لجبريل الرجوب ولا لأي شخص آخر مهما علت مكانته - حتى لو كان الرئيس - أن يقرر وحده الدخول في معركة كبرى، مثل تقديم طلب بطرد أو تعليق عضوية إسرائيل في «الفيفا»، ومن ثم سحب الطلب أو تأجيله؛ لأن هذه المسائل المهمة، التي ستترتب عليها نتائج كبيرة في حال الفوز بها أو خسارتها، يجب أن تحظى بدراسة في الإطار الوطني والمؤسسي حتى يصدر القرار المناسب، ولكي يتحمل المسؤولية عن النتائج الكل الوطني والمؤسسة الوطنية، سواء إذا كانت سلبية أو إيجابية.
يمكن أن يؤثر على القرار الشخصي أو يتحكم به تمامًا التقدير الشخصي والمصلحة الذاتية، أما القرار الصادر عن المؤسسة الوطنية فيعكس تقديرات جماعية ويعبر عن المصلحة العامة.
الطامة الكبرى أن الفلسطينيين منذ فترة طويلة لم يعد لديهم مؤسسة وطنية جامعة واحدة ولا برنامج وطني واحد ولا قرار أو قيادة واحدة، بل تواصل الانقسام وتعمق عموديًا وأفقيًا وطال كل شيء، فأصبحت لدينا قيادات ومرجعيات مختلفة، وأصبح كل تجمع فلسطيني يبحث عن خلاصه وحده.
هناك مليون سؤال حول كيفية اتخاذ القرار الفلسطيني وتحويله أكثر إلى صلاحية يتحكم بها الرئيس وحده في ظل غياب دور فاعل لمؤسسات المنظمة (اللجنة التنفيذية، والمجلسين المركزي والوطني، الذي مضى على تشكيلها ردح طويل من الزمن من دون انتخابات ولا تجديد بالتوافق)، وفي ظل احتكار مختلف السلطات التنفيذية والقضائية والتشريعية في يد شخص واحد، ما جعل النظام السياسي الفلسطيني يتجه أكثر ليكون نظامًا فرديًا من دون مشاركة أو رقابة أو محاسبة.
إن هذا النهج يعيد إنتاج نفسه على كل المواقع والمستويات، إذ سيتحكم فرد واحد في الرياضة، وآخر في الأمن، وثالث في الاقتصاد، ورابع في التعليم؛ لأن السياسة الفلسطينية لا تتعامل مع مؤسسات، بل مع ملفات يكلف كل شخص بملف، والمرجعية تكون للرئيس وحده مستعينًا ببعض الأشخاص الذين لا يشكلون مؤسسة ولا حتى «مطبخ» مهمته إدارة العمل.
في هذا السياق يمكن أن نضع وأن نفهم القرار الفردي الذي اتخذه الرجوب بتقديم طلب بتجميد عضوية إسرائيل في «الفيفا» ورفع سقف التوقعات، لدرجة الحديث عن إمكانية أو حتى ضمانة بتصويت 160 صوتًا من أصل 209، وهو أكثر من العدد المطلوب لنجاح الطلب الفلسطيني والانقلاب 180 درجة بعد ذلك، والحديث لتبرير سحب الطلب أو تفعيله بأن هذا أفضل من الخسارة، لأن الإصرار عليه كان سيؤدي إلى عدم الحصول على الأصوات اللازمة أو إلى تصويت مسبق بمنع التصويت على الطلب الفلسطيني، كونه يُقحِم السياسة بالرياضة وهذا ما لا ينسجم مع دور «الفيفا».
في الحالتين كلتيهما، هناك خطأ كبير يجب أن يتحمل المسؤولية عنه الشخص الذي اتخذ القرار. فالخطأ بالتقدير الناجم عن تصور أن الطلب الفلسطيني سيمضي وسيصل إلى مرحلة التصويت، أو لن يتمكن من ذلك وسيقطع الطريق عليه أو سيخسر إذا جرى التصويت؛ يجب أن يحاسب عليه المسؤول عن هذا الخطأ، لا أن يُحوّل الهزيمة إلى انتصار وفقًا لعادة عربية مشهورة، إذ أصبح تقديم الطلب مقابل تشكيل لجنة من «الفيفا» كان قد اقترحها نتنياهو على بلاتر أثناء زيارته الأخيرة لمراقبة الانتهاكات الإسرائيلية العنصرية، وفيما يتعلق بحرية حركة اللاعبين، أما مسألة الفرق الاستيطانية فهذه ليست من اختصاص «الفيفا».
نعم، المعركة مع الاحتلال والاستعمار الصهيوني الاستيطاني العنصري مفتوحة في «الفيفا» وفي كل مكان، وإن الخسارة في هذه الجولة لا تعني نهاية الحرب، وإنما تقتضي مواصلة العمل على طرد إسرائيل من «الفيفا» وكل المؤسسات الدولية، والعمل على ملاحقتها وفرض العزلة والمقاطعة والعقوبات جراء الجرائم التي ارتكبتها في السابق، والجرائم المستمرة مثل الاستيطان، ولكن ذلك يقتضي ترميم المصداقية التي تآكلت للقيادة الفلسطينية؛ بسبب عدم المثابرة في سياسة العمل على جمع أوراق القوة والضغط لتغيير موازين القوى، والوصول إلى لحظة يصبح الاحتلال، ومن ثم المشروع الاستعماري كله، مكلفًا لإسرائيل ومن يدعمها أكثر من الفوائد التي تعود عليهما.
الآن سيكون صعبًا إقناع الدول لتأييد أي مسعى جديد، لأن العديد من الدول ستنظر إليه كمناورة للضغط من أجل العودة إلى مسيرة المفاوضات الثنائية برعاية أميركية، أو دولية شكلية، فقد تم تأجيل «تقرير غولدستون»، وعندما تم التراجع عن التأجيل لم يتم تفعيله، وحصلنا على الفتوى القانونية لمحكمة لاهاي وهي كنز قانوني وسياسي أعطى الفلسطينيين أكثر ما طلبوا، ولكنهم لم يفعلوا شيئًا بهذا الإنجاز، بل وضعت الفتوى على الرف ويتواصل بناء الجدار، وأخشى أن يأتي وقت نفقد فيه الأغلبية في المؤسسات الدولية بسبب فقدان الثقة بالأداء الفلسطيني .
مسألة أخرى ترافقت مع سحب الطلب الفلسطيني وزادت الطين بلة، وهي عدم وضوح الموقف الفلسطيني من المنافسة بين بلاتر والأمير علي على رئاسة «الفيفا»، فقد بدا حتى اللحظة الأخيرة أن الكف الفلسطينية تميل لبلاتر، وأن القرار بالتصويت للأمير اتُخذ في اللحظات الأخيرة، واعترف الرجوب بأنه تأخر في ذلك.
السؤال: لماذا هذا التردد بين مرشح عربي ومرشح آخر، فإذا كان بلاتر سيكون أفضل للفلسطينيين فليتم توضيح ذلك، وإذا كانت هناك حسابات شخصية أو تقديرات خاطئة فليتحمل من ارتكبها المسؤولية عنها؟
طبعًا، هذا لا يعطي لأحد في الأردن أو في أي مكان حق الإساءة للشعب الفلسطيني، أو للعلاقة بين الشعبين الفلسطيني والأردني التي هي منذ فترة في أحسن ما يكون، ويجب البناء على ذلك وليس تقويضه.
لماذا لم نر حملات على السعودية والكويت وليبيا وغيرها من البلدان العربية التي صوتت لصالح بلاتر، ولتدلل بأن الأوضاع العربية تواصل التردي بصورة إذا لم يظهر مشروع عربي يستجيب للمصالح والحقوق العربية وينهض بشعوبها؛ فإن التدهور سيصل إلى الكارثة بكل معانيها وأبعادها؟.
Hanimasri267@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد