تسير الأمور في العلاقة بين قطاع غزة ومصر نحو انسداد قد يطول أجله فلا يوجد في الأفق ما يمكن أن يبشر بأي نوع من أنواع الانفراج على المدى القصير إلى المتوسط. وفي الوقت نفسه فإن عملية المصالحة الداخلية تبدو معقدة من حيث التطبيق فلا مؤشرات على الوصول لحلول وسط فيما يتعلق بقضايا الموظفين والمعابر والأمن، ومن ناحية ثالثة فإن امكانية إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية و القدس وغزة تبدو بعيدة المنال في ظل الخارطة السياسية الحالية حيث تميل آراء الناخبين ورغباتهم نحو أحزاب اليمين والمستوطنين، ورابعا يمكن القول بأن قطاع غزة لا يمكنه أن يحتمل مواجهة عسكرية رابعة خلال أقل من عشر سنوات فقد نال التعب والفقر والبطالة والحصار من مقومات وقدرات الشعب الفلسطيني في قطاع غزة بدرجة كبيرة..

وفي ظل هكذا ظروف سوف يتحتم على سكان قطاع غزة الانتظار لسنوات طويلة في حالة البؤس والفقر التي يعيشونها أملا في تغير أي من الظروف السابقة المذكورة. وهذا ما يجب العمل على تجنبه، فقطاع غزة وسكانه فقدوا القدرة على تحمل أسابيع إضافية في ظل هذا الوضع الكارثي المتأزم. وفي ظل الحديث عما يسمى "دولة غزة" ومن أجل تجنب انفصال سياسي طويل الأمد بين مكونات الجسد الفلسطيني، يتوجب البحث عن حلول خلاقة باتجاه إنقاذ قطاع غزة من الوضع المأساوي الذي يحياه والمحافظة على الكينونة السياسية الفلسطينية في ذات الوقت.


وربما والحال هكذا يمكن التفكير باتجاه منح قطاع غزة صفة كيانية تشبه إلى حد ما الحكم الفيدرالي حث يصبح قطاع غزة اقليم يتمتع بحكم فيدرالي يتبع للسلطة المركزية ولكن في نفس الوقت يصبح لدى سكانه امكانية الخروج من الحالة الراهنة من خلال الوصول لاتفاق ثلاثي بين حركة حماس واسرائيل والسلطة الفلسطينية يكون بصفته الاساسية اتفاقا امنيا اقتصاديا يعمل على رفع الحصار بشكل كامل عن قطاع غزة ووجود ضمانات أمنية للطرفين اسرائيل وقطاع غزة يضمن عدم وجود اعتداءات أمنية من طرف على الآخر. وفيما يلي أهم مضامين هذا الاقتراح:


- يشتمل الاتفاق على هدنة متبادلة طويلة الأمد تمتد لعشرين سنة، مع وجود رقابة دولية تضمن تطبيق هذه الهدنة على الأرض وتحل المشاكل الميدانية إن حصلت أولا بأول.


- إنشاء مطار أو ميناء أو كلاهما في قطاع غزة مع وجود رقابة دولية في أي منهما.


- حتى إقامة الميناء والمطار تضمن اسرائيل حرية الحركة والسفر لسكان قطاع غزة عن طريق مطار اللد أو جسر الملك حسين، ويمكن أن يتم الاتفاق على آليات أمنية ربما يكون من ضمنها وجود فحص أمني وتفتيش في معبر إيرز للمغادرين ونقلهم بحافلات مع مرافقة أمنية دولية إلى مطار اللد أو جسر الملك حسين.


- السماح لعشرات الآلاف من عمال قطاع غزة بالعمل في إسرائيل لتحسين إقتصاد قطاع غزة وخلق فرص عمل. كما يشمل الاتفاق حرية الحركة بين قطاع غزة والضفة الغربية ضمن آليات يتفق عليها.


- يتبع قطاع غزة سياسيا للحكومة المركزية وتتشكل بناءا عليه حكومة محلية خدماتية لا تشمل الخارجية. فالتمثيل السياسي لقطاع غزة سيبقى من مسئولية السلطة الفلسطينية المركزية ومنظمة التحرير.


- يتم انتخاب مجلس نيابي محلي يعنى باصدار القوانين والتشريعات الخاصة بإدارة شئون قطاع غزة، ويقوم هذا المجلس كذلك بمراقبة أداء الحكومة المحلية ومحاسبتها.


- يعمل المجلس النيابي على تشكيل حكومة محلية يصادق عليها رئيس السلطة الفلسطينية، ويعتبر وزراء الحكومة المركزية مرجعية لوزراء الحكومة المحلية كل حسب وزارته، ويتبع رئيس الحكومة المحلية لرئيس السلطة الفلسطينية.


- لا يكون لهذه الحكومة مهام سياسية أو برنامج سياسي حيث يقتصر عملها على تقديم الخدمات والاشراف على المشروعات التنموية، وتحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وحل المشاكل الأسياسية التي يعاني منها قطاع غزة مثل البطالة ونقص الكهرباء وسوء جودة المياه.
- تعمل حكومة غزة المحلية على دمج الموظفين في المؤسسات المدنية والأمنية، والحفاظ على الوضع الامني، وتطبيق القانون، وضمان حقوق الإنسان وحرية التعبير والمشاركة المجتمعية.


- تشرف الحكومة على إجراء انتخابات للهيئات المحلية، والنقابات، والاتحادات ومجالس الطلاب وغيرها من المنظمات الشعبية والقاعدية.
- تقوم الحكومة بتوفير الموارد المالية سواء من خلال المصادر المحلية أم الضرائب على استيرادات القطاع، او التبرعات الخارجية أو مساهمة الحكومة المركزية في الموازنة المحلية لحكومة قطاع غزة.


- أخيرا تقوم الحكومة بإعادة الإعمار وتعويض المتضررين، والعمل على تطبيق المصالحة المجتمعية وتعويض الأسر والأفراد المتضررين من الاقتتال الداخلي والانقسام والحروب.


يستمر هذا الوضع حتى الوصول لحلول سياسية سواء ما يتعلق منها بالمصالحة الوطنية أو اتفاقيات سلام مع اسرائيل حيث يتم وقتها مشاركة سكان قطاع غزة في انتخابات المحلس التشريعي والمجلس الوطني حيث تتمكن الحكومة المركزية من أداء أعمالها ومهامها في قطاع غزة بشكل كامل. وهذا الأمر ربما يحدث خلال خمس سنوات أو عشرات السنين، فما من أحد يمكنه التوقع بما يمكن أن يحمله المستقبل وخاصة في هذه البقعة الجغرافية من العالم.


ومن هنا فإن البدء بمفوضات ثلاثية برعاية دولية من أجل الوصول لهذه الصيغة التي تشمل منح قطاع غزة حكما فيدراليا يمكن من خلاله خروج القطاع من الكارثة التي يعيشها وبقاءه في الوقت نفسه جزءا من المنظومة السياسية الفلسطينية ورافعة للقضية الفلسطينية والوطن، يبدو أنه أكثر الحلول إمكانية وعملية.


فهذا الطرح يمثل حلا واقعيا لإنقاذ سكان قطاع غزة بعيدا عن الصراخ والنفاق والاستعراض وبيع المواقف التي لا تأخذ مصلحة سكان قطاع غزة بعين الاعتبار ولا يهم من يطلقها أن يستمر هذا الوضع الصعب والمعقد في قطاع غزة لعشرات السنين. وهذا سواء كان من يطلق هذه التصريحات من يريد لغزة ان تكون محرقة أو من يريد لها أن تتحول لمزبلة، وغزة لن تكون لا محرقة ولا مزبلة بهمة أبنائها ووطنيتهم وأخلاقهم. من يريد يغزة خيرا فليبحث لأهلها عن حلول ومخارج تمكنهم من العيش الكريم والحرية مثل باقي شعوب الأرض لا أن يتغنى بها ويمارس معها رومانسية كاذبة. ومن هنا يصبح لدعم مختلف مكونات المجتمع الفلسطيني للاتفاق والحكومة أهمية كبرى، وهذا يشمل الفصائل ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص والشباب والمفكرين والخبراء.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد