عندما أكتب، أقوم بواجبي. ضمن معايير وتحليل موضوعي ينطلق من معطيات أتابعها عن كثب، بعين يقظة. أما الآراء المغلقة على متطلبات المرحلة، فأحيلها إلى حقيقة؛ أن الكلام الذي لا يحرك السواكن، يرفضه منطق التطور والتغيير نحو الأفضل.
السؤال الأول الذي يفرض نفسه في الطريق نحو تطوير دور وجماهيرية الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية هو: هل من وصفة جاهزة نقدمها إلى حلقة النقاش المقرر تنظيمها في منتصف تموز؛ في الذكرى الخمسين لتأسيس الاتحاد، ليكون البوتقة التي تنصهر فيها الآراء وتتكامل، ضمن شروط المرحلة ومواصفاتها واحتياجاتها. وهي شروط لا بد انها مختلفة نوعياً عن شروط مرحلة التأسيس وما تلاها.. فالمرحلة تتطلب أشكال من المرونة في التعاطي مع العضوية ومقاييس الالتزام وأشكال التنظيم ونوعية الانشطة؛ تسترعي الانتباه وتشدّه، ولا تتعارض مع ظروف العمل والانتاج في المجتمع والمرأة..
الحقيقة التي لا بد من مواجهتها اولا في نقاش محددات وعوامل التطوير، إنْ كان لدى هيئات الاتحاد القيادية القناعة في فتح الحوار حولها، وفيما إذا كانت راضية ومكتفية بما أحدثته من تطويرات تنظيمية وبرنامجية بعد اختبارها. فإنْ توفرت القناعة، فلا بد برأيي؛ من إشراك المرجعيات الوطنية ووجودها، القوى السياسية ومنظمة التحرير الفلسطينية في النقاش، إلى جانب مشاركة ممثلات المؤسسات النسوية المعنية بالاتحاد ومستقبله، كممثل ومعبِّر عن المرأة الفلسطينية.
ولأن عملية التطوير ستسهم في الارتقاء بصيغ العلاقة مع القاعدة، تنظيمياً وبرنامجياً، فإنها تتطلب فتح قوْس ومساحة واسعة أمام النقاش، تنطلق من طرح سؤال جوهري؛ عن صلاحية الوصفة الابداعية التي أخرجت الاتحاد في عام 1965، للاستمرار في استكمال وظائفها في عام 2015..! فالظرف تغير، والنساء تغيرن، والبرنامج بالضرورة قد تغير، وآليات التنفيذ أيضا تختلف..!
السؤال الذي يلي؛ يحتاج إلى تمحيص وفحص، يتركز على ضرورة مواجهة ان حقيقة بنية الاتحاد ترتكز على ربّات البيوت، وهذا مهم جدا لانها القاعدة الجماهيرية العريضة في المجتمع ذات الاحتياجات غير المشبعة، وتنتظر الكثير لتطوير واقعها المعاش. ولكن، ألا تستدعي ضرورات التطوير تحسين البنية لجهة ضم قطاعات نسائية جديدة، من عاملات ومهنيات ومعلمات وموظفات الى العضوية، تساعد في توسيع الروافع التنظيمية، وتوسع الكادر القيادي الذي يمكنه من ربط القاعدة بالاتحاد وبرنامجه، للخروج من مواجهة محدودية الخيارات.
تحسين بنية الاتحاد بشرائح جديدة، ستفتح على طبيعة مطالبهم النقابية، والبحث في الصيغ المناسبة لربطهن، وآليات الإسناد التبادلية، النقابية والنسوية.. أليس من قيمة مضافة تؤكد على ضرورة خلق مساحة تتسع لهن في عضوية الاتحاد وموارده واستهدافها، والايفاء بتبعاتها ومتطلباتها.
البداية دائما، وضْع الأصبع على الجرح، وهنا لا بد من إحالة المشكلة التنظيمية إلى الأطر النسوية، فوجه الاتحاد ينعكس على مرآة الأطر والعكس صحيح تماماً. فقاعدة الاتحاد تتشكل من الأطر النسائية وأطرها الصديقة، كما أن الأطر تفرز هيئاته القيادية أو ترشحها. وعليه، تقود الأسهم الطريق إلى واقع الأطر النسوية..المفارقة هنا، تكمن في أن واقع الأطر، انتظاما ونشاطا وحشدا وبنىً، أفضل حالا، من وجهة نظري، من واقع هيئات الاتحاد وتحديدا، فروعه ومحلياته. ألا يوحي هذا بشيء ما حول الامساك بالمشكلة قبل الحل..إذن لا بد من المكاشفة. هل تفرز الأطر عضواتها للإتحاد من الأقل أعباءً، أم تفرز دون تدقيق كبير.. هل تكرر الأطر الأنشطة والبرامج التي يقوم بها الاتحاد، مما يجعل الأمر رتيباً بل نكهة..!
الاصبع الثاني على الجرح الثاني. لقد اُعْتمد نظام التنسيب الفردي لتوسيع قاعدة الاتحاد، لتصبح علاقة العضوة مع الاتحاد مباشرة، بديلا للعلاقة التنسيقية السابقة بين الأطر والجمعيات ككتل، التي كانت سائدة خلال العمل السري في الوطن. التنسيب الفردي خدم تحقيق جماهيرية الاتحاد وخروجه من الدائرة النخبوية، ووضعته على أعتاب فرصة مهمة لتوسيع هيئاته الوسيطة والمحلية، لكن الفكرة لم تتحقق. ولكن لنتفحص: هل أصبحت العلاقة بين المنتسبات والاتحاد مباشرة، أم ان العلاقة بينهما بقيت مبهمة ومن خلال الاطار حصرياً، وهل أخرجت القاعدة من مجرد قاعدة انتخابية، لتصبح قاعدة مؤمنة بالبرنامج ومقتنعة به وناقلة له، وخط دفاع ومواجهة عنه..!
ماذا بعد؟ الاتحاد يتوجه لجميع النساء بمختلف اتجاهاتهن السياسية والفكرية، إذن ما ضرورة تنسيبهن له، انه يمثلهن لدى الجهات المرجعية ولدى المحافل الخارجية. منظمة التحرير الفلسطينية، مع الفارق بين البيت - الكينونة وأحد قواعده، لا تنسِّب الشعب الفلسطيني لتمثيله والتعبير عنه، بل توكل المهمة للاحزاب والفصائل.
الاتحاد كذلك، عليه العمل على وضع السياسات البرنامجية الوطنية والاجتماعية العامة، ويسعى للعب دوره كحركة اجتماعية للنساء ومعبِّر عن مصالحهن والمطالَب بتحقيقها. وهيئاته المحلية تنتخب من القاعدة التي تعرفها وجربتها وتثق بها، انتخاب مباشر على الأرض، من شاء يعطي صوته إلى من يشاء دون تمييز، الاتحاد للجميع ويمثل الجميع.
وأخيراً، انها أسئلة مفتاحية، قناة باتجاه التفكير من خارج العلب المغلقة، ومن المساحات المريحة؛ الراضية المرضيّة، لاستيعاب مستجدات الواقع الفلسطيني واستحقاقاته، وبما يفضي إلى عناصر التغيير اللازم لاستعادة الدور التاريخي ضمن منطق الواقع. لقد بادر الاتحاد الى تصويب واقعه في المؤتمر، وليبقى ممسكا برياديته، فالمخزون لم يُسْتنفذ.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية