بعد مرور عشرين يوماً على الحرب الأوكرانية - الروسية، تبدو صورة الأوضاع غير واضحة تماماً بسبب حجم الأخبار والمعلومات المتناقضة التي تنشر في وسائل الإعلام، سواء ما ينطق به المتحدثون الرسميون أو ما ينشر على شبكات التلفزة ووسائل التواصل الاجتماعي والمنصات المختلفة التي باتت تبث كميات هائلة من الأخبار والصور التي أضحت مليئة بالتزوير والتضليل لأسباب مختلفة بعضها جزء من الحرب الإعلامية المرافقة للحرب الفعلية التي تجري على الأرض، وبعضها الآخر لأغراض الكسب من خلال تحقيق أعداد كبيرة من المشاهدات.
ومن الملاحظ أن هناك حرباً إعلامية شرسة تشنها الأوساط الغربية وخاصة في الولايات المتحدة وبريطانيا وعدد غير قليل من الدول الغربية ضد روسيا لشيطنتها وتضخيم انتهاكاتها لحقوق الإنسان والقوانين الدولية من جهة، وإظهار خسائر مبالغ فيها للقوات الروسية لإحباط الروس ومؤيديهم من الجهة الأخرى.
وتشترك في هذه الحرب الإعلامية المؤسسات الرسمية الغربية على مستوى وزارات الدفاع والخارجية وحتى رؤساء الحكومة والرؤساء.
والغريب مثلاً أن وزارتي الدفاع البريطانية والأميركية (البنتاغون) تبثان أخباراً وتقارير عن سير المعارك أكثر كثافة من تلك التي تصدر عن طرفي النزاع روسيا وأوكرانيا.
وجل هذه الأخبار تركز على و»حشية» الروس وفشلهم في التقدم في المعركة على الرغم من أن روسيا تقول العكس، فهي لم تحدد زمناً لعمليتها العسكرية وتنفي أنها أرادت اقتحام التجمعات السكانية الكبيرة بسبب وجود أسلحة وسط المدنيين وهي لا تريد إيقاع خسائر كبيرة بينهم.
قناة «روسيا اليوم»، بثت فيلماً وثائقياً قبل يومين عن عمليات التزوير في الأخبار التي تنشر عبر شبكات التواصل الاجتماعي ومحطات التلفزة، وأظهرت أن بعضها قديم تم تزويره ليناسب الحرب الحالية، كنشر صور لأشخاص في أماكن مختلفة من العالم لا علاقة لهم بالحرب الأوكرانية، وحتى تزوير صور لدبابات وطائرات قيل إن أوكرانيا دمرتها، وقد أظهرت الصور القديمة وكيفية حصول التزوير فيها بإضافة شعارات وغيرها.
وقد نشرت شبكة التلفزة الأميركية «سي.أن. أن» في 27/2/2022، مقاطع فيديو مزعومة قيل إنها من أوكرانيا وبعضها بالأساس من سورية.
ونشرت سكاي نيوز عربية قبل يومين صوراً زائفة للممثل ستيفين سيغال مع مقاتلين روس، في تقرير لها لإظهار عملية تزوير الصور في الحرب الإعلامية الضارية التي تجري في وسائل الإعلام.
وأشار تقرير لشبكة «بي بي سي» البريطانية قبل يومين إلى «أن الفيديوهات القديمة باتت رائجة خلال الحرب الأوكرانية كوسيلة للتضليل، حيث يتم نشر مقطع يتضمن لقطات لما يجري على الأرض فعلاً ومن ثم تدمج به مشاهد قديمة قد تكون لأحداث وقعت في بلد آخر».
وقد وصل التزوير حتى استخدام مقطع الفيديو للفتاة الفلسطينية عهد التميمي وهي تصفع جندياً إسرائيلياً، على اعتبار أنها فتاة أوكرانية تواجه جندياً روسياً، وقد تم استغلال حقيقة أن عهد الفلسطينية شقراء.
والغريب في الحرب الإعلامية القائمة بين الروس والغرب عموماً هو قيام الدول الغربية بحظر شبكتي «روسيا اليوم» و»سبوتنك» الروسيتين على شبكات التواصل الأميركية، في خطوة تتناقض مع قيم حرية التعبير والنشر، لأن تغطيتهما لا تنسجم مع مضامين الدعاية الغربية. وهي التي كانت تتهم روسيا بالتضييق على الحريات وقمع الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير.
ويبدو أن هذه الإجراءات لمحاربة الشبكات الروسية تمثل جزءاً من التزوير والتعتيم الإعلامي على حقيقة ما يجري على الأرض. فالغرب يتحدث عن هزائم للقوات الروسية وصعوبة في التقدم على الأرض بسبب المقاومة الأوكرانية، وروسيا تقول إن عمليتها متواصلة حسب الأهداف المرسومة والجدول الزمني المحدد.
يبدو أن بعض الدول الغربية والولايات المتحدة على وجه الخصوص قد ضاقت ذرعاً بالالتزام بما تسميه محاربة التحريض على العنف، وقامت شبكات التواصل الاجتماعي فيها كـ»الفيس بوك» و»انستغرام» بتغيير سياساتها والسماح بالتحريض على العنف والقتل طالما يتعلق الموقف بروسيا والرئيس بوتين.
وهي التي كانت تحظر أي صفحة لمواطن فلسطيني أو عربي أو أممي يؤيد النضال ضد الاحتلال الإسرائيلي بحجة منع التحريض على العنف. فالعنف ضد روسيا عدو الولايات المتحدة والغرب مسموح، بينما الكفاح المشروع ضد الاحتلال الآخر الذي تؤيده أميركا وتمنحه الغطاء والحصانة ممنوع.
لقد كشفت الحرب الروسية - الأوكرانية زيف الادعاءات الغربية وقيم الحرية والعدالة التي تنادي بها، والتي ظهر أنها انتقائية ومرتبطة بالمصالح وليست قيماً مبدئية قائمة بذاتها. فحقوق الإنسان الأوروبي المؤيد للغرب تختلف عن حقوق الإنسان العربي مثلاً أو الصيني أو الإفريقي أو حتى الأوروبي الروسي.
ويبدو أن هدف إضعاف روسيا أو القضاء عليها كدولة عظمى مؤثرة يتجاوز كل ما عداه من تنظير وترويج لمبادئ ثبت أنه يتم التنازل عنها في أول فرصة.
روسيا متهمة اليوم بانتهاك حقوق الأوكرانيين وأنها تقصف بوحشية المناطق والأهداف المدنية. ولكن الولايات المتحدة والغرب يتجاهلون الأضرار الهائلة التي أحدثتها آلة الدمار الأميركية والغربية في يوغوسلافيا السابقة والعراق وليبيا وأفغانستان وغيرها، وعشرات آلاف المواطنين العزل الذين تم قتلهم لأسباب تضليلية وكاذبة.
وهي تفوق بأحجام هائلة ما يفعله الروس في أوكرانيا ضد المدنيين. والحقيقة أننا نشهد انهيار النظام الأخلاقي الغربي الذي يتسم بازدواجية المعايير. ونحن الفلسطينيين أكبر ضحية لهذا النظام الانتقائي الكاذب.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد