دخلت الأزمة الأوكرانية- الروسية مرحلة جديدة من التصعيد الخطير باعتراف روسيا بالإقليمين الانفصاليين في أوكرانيا دونيتسك ولوغانسك الموجودين في شرق أوكرانيا على الحدود مع روسيا، وذلك في خطاب متلفز للرئيس فلاديمير بوتين الذي كرر أكثر من مرة أن أوكرانيا هي جزء من روسيا التاريخية، وهي خطوة فُهم منها أن الإقليمين اللذين سماهما بوتين جمهورية دونيتسك الشعبية وجمهورية لوغانسك الشعبية سيتم ضمهما إلى روسيا لاحقاً. هذا التطور الكبير والدراماتيكي في الأزمة سيقود إلى ردود فعل عقابية تقوم بها الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون بما فيهم الدول الأوروبية. وقد بدأت واشنطن أولى خطوات العقوبات بالإعلان عن قرار قادم للرئيس الأميركي جو بايدن بحظر التجارة والاستثمار في دونيتسك ولوغانسك. وبدون شك تتوقع روسيا سلسلة من العقوبات الأميركية والأوروبية عليها، وقد أخذت هذا بالحساب في اتخاذ قرار استراتيجي يترتب عليه تغيير جوهري في خارطة المصالح الاستراتيجية في أوروبا والعالم.
الأميركيون توقعوا اجتياحاً روسيا شاملاً لأوكرانيا وتحدثوا عن ذلك بلغة الواثق بناءً على تقارير استخبارية تتابع تحرك وتمركز القوات الروسية بالقرب من الحدود الأوكرانية وفي شبه جزيرة القرم ودولة بيلاروسيا؟، ولكن بوتين ذهب لخيار حافة الهاوية. ففي نفس الوقت هو يجتاح أوكرانيا عسكرياً من خلال ما أعلن عنه أوامر للقوات الروسية بحفظ السلام في دونيتسك ولوغانسك، ولكنه لا يتوجه إلى احتلال كامل أوكرانيا إلا إذا حصلت تطورات عسكرية تضطره لذلك، وهذا احتمال ليس مستبعداً ويعتمد على رد فعل أوكرانيا وحلفائها الغربيين وخاصة الولايات المتحدة الأميركية. وعملياً مجلس الأمن الروسي في حالة انعقاد دائم لمراقبة التطورات على الأرض.
الآن بدأت مواجهة حقيقية بين روسيا والغرب بقيادة الولايات المتحدة الأميركية واصبح على إسرائيل أن تحدد موقفاً من الأحداث الجارية، وكل موقف تتخذه بهذا الاتجاه أو ذاك سيترتب عليه خسارة لإسرائيل التي تفاخر قادتها من بنيامين نتنياهو وحتى رئيس الحكومة الحالي نفتالي بينيت ووزير خارجيته يائير لابيد بأن إسرائيل تحتفظ بعلاقات ممتازة مع الولايات المتحدة حليفتها الأقرب والأهم، ومع روسيا والرئيس بوتين. ومنذ تفجر الأزمة الأوكرانية الروسية الحالية امتنعت إسرائيل عن اتخاذ أي موقف بخصوص الأزمة، وعمم رئيس الحكومة على كل المسؤولين الإسرائيليين بعدم الإدلاء بأي تصريح حول الأزمة باستثناء القلق على مصير الإسرائيليين المتواجدين في أوكرانيا وترتيبات نقلهم أو توفير الأمن لهم.
إسرائيل ترتبط بعلاقات مميزة مع أوكرانيا والرئيس الأوكراني الحالي فلاديمير زيلينسكي الذي هو من أصول يهودية وصديق لإسرائيل، ولكن الأخيرة أيضاً تتمتع بحرية عمل عسكري في سورية بسبب علاقاتها مع موسكو. وأي موقف ضد روسيا سيكلفها الكثير وخاصة على الجبهة السورية إذا ما تم منع القوات الإسرائيلية من القيام بقصف أهداف في سورية بحجة منع التمركز الإيراني ومنع نقل الأسلحة من إيران إلى "حزب الله" في لبنان من خلال الأراضي السورية، بما في ذلك منع نقل التكنولوجيا الإيرانية للقوات السورية. وكانت أوكرانيا اشتكت من عدم اتخاذ إسرائيل موقفاً داعماً لها في الأزمة الراهنة.
الآن الموقف أصبح أكثر تعقيداً وخطورة، فمن جانب هناك عقوبات ستفرض على روسيا لا تستطيع إسرائيل ألا أن تنضم إليها، ولا تستطيع أن تكون في الجبهة المقابلة للولايات المتحدة، ولكنها في تفس الوقت تدرك ماذا يمكن أن يترتب على موقف روسيا ضدها في المنطقة. ومن حيث المبدأ تساهم الأزمة الأوكرانية في تعزيز موقف إيران التي تحظى بدعم روسيا في المفاوضات حول الملف النووي. وتخشى إسرائيل أن تدفع في تسريع تقديم تنازلات أميركية لصالح إيران للتوصل إلى اتفاق مع إيران. ويبدو أن مخاوفها تتحقق وأن الأطراف المعنية على وشك التوصل لاتفاق رزمة شاملة مع إيران تأخذ بالاعتبار مواقفها ومصالحها بالعودة للاتفاق السابق.
وفي الواقع فإن إسرائيل في وضع لا تحسد عليه، لأن ما تعتبره تهديدات استراتيجية تلقي بظلالها على المشهد الإسرائيلي بكل ثقلها وبصورة جدية. فحسب التقديرات الإسرائيلية تواجه دولة الاحتلال ثلاثة تهديدات استراتيجية هي: المشروع النووي الإيراني والثاني هو تعاظم قوة "حزب الله" وفصائل المقاومة بدعم من إيران ومن خلال التمركز في سورية ونقل وتطوير السلاح، بما في ذلك التطورات على الساحة الفلسطينية واحتمال انفجار الأوضاع أو تصاعدها بصورة كبيرة. الثالث هو التفكك والصراعات الداخلية. ويبدو أن الأزمة الأوكرانية تسهم في تحقيق التهديدين الأول والثاني، والجزء الفلسطيني تسهم إسرائيل في تحقيقه بصورة كبيرة من خلال إرهاب المستوطنين واستمرار الاستفزازات والاعتداءات واجتياحات الاحتلال، وتواصل مشروع الاستيطان والتهويد في القدس والضفة الغربية، وتدمير إمكانية إقامة دولة فلسطينية مستقلة. فما الذي يمكن أن تفعله دولة الاحتلال؟

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد