من حيث المبدأ، وفي ظروف خاصة يمكن اللجوء إلى «سلاح» مقاطعة اجتماعات معينة للمؤسسات التنفيذية بما في ذلك ظروف الحالة الوطنية الفلسطينية، لكن هذه المقاطعة، ومن حيث المبدأ، أيضاً لا يمكن أن تكون مفهومة إذا تعلّق الأمر بالمؤسسات التشريعية، أو إذا تعلّق الأمر بالمؤسسات التي تقوم بالدور «التشريعي» كحلقة وسيطة بين المؤسسة التشريعية الأعلى ـ وهي المجلس الوطني الفلسطيني ـ في الحالة الفلسطينية وبين المؤسسة التنفيذية، وهي اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في هذه الحالة، أيضاً.
لا أحد ـ بحمد الله ـ ينادي بمقاطعة مؤتمرات المجالس الوطنية حتى الآن، لكن مقاطعة المجلس المركزي على ما يبدو للبعض «ممكنة»، بل هناك من يرى ـ ويا للغرابة هنا ـ أن تتم المقاطعة لهذا المجلس (خوفاً من إضفاء الشرعية عليه وعلى قراراته)، على اعتبار أن هؤلاء (أي الذين يدعون إلى المقاطعة من هذا الباب)، على (يقين تام) أن حضور هذا الاجتماع سيؤدي «حتماً إمّا إلى «تكريس» الانقسام، أو إلى «تدهور» العلاقات الوطنية، أو إلى مغادرة ساحة البرنامج الوطني والحقوق الوطنية والذهاب «للعب» في المربع الإسرائيلي والأميركي!؟
وهناك من يرجئ مشاركته في أعمال هذا المجلس إلى اللحظة الأخيرة، أو إلى حين رؤية الدخان الأبيض، في ضوء نتائج اللجنة التحضيرية لهذا المجلس!
هنا، ومن باب (التمس لأخيكَ عذراً) دعونا أن نفعل فعلاً، ودعونا أن نعتبر بأن المجلس المركزي ليس له أي صفة «تشريعية» حتى ولو أنه الحلقة الوسيطة الموسعة بين المجلس الوطني واللجنة التنفيذية، ودعونا نعتبر القرار الصائب بأن يقوم بهذا الدور فقط إذا خوّله المجلس الوطني بذلك، وبالتالي فإن صفته وصلاحيته الرئيسة هي الرقابة على أعمال اللجنة التنفيذية فقط، وفقط لا غير على الإطلاق، فلماذا لا نراقب وكيف لنا أن نراقب ونحن لا نشارك. التجربة الفلسطينية على هذا الصعيد لم تمنع المجلس المركزي على مدار سنوات طويلة من اتخاذ قرارات سياسية مصيرية وحاسمة بغياب انعقاد المجلس الوطني بما يدل على أن الهدف من إنشاء المجلس المركزي كان ولا يزال هو الاضطلاع بدور المجلس الوطني في ظروف معينة، وبسبب خصوصية الحالة الفلسطينية، وفي قضايا معينة على الأقل، وعلى أن يصادق المجلس الوطني على كل قراراته (أي قرارات المركزي) في أول اجتماع لهذا المجلس. إذاً لا يوجد من حيث المبدأ ما يمنع «المركزي» من اتخاذ قرارات ذات صبغة تشريعية، ولا يوجد ما يمنع من اتخاذ قرارات سياسية حاسمة ومصيرية، وبالتالي فإن مقاطعة أعمال هذا المجلس هي مقاطعة سياسية وليست قانونية.
إذاً، لا مجال للحديث عن «إضفاء» شرعية قانونية على عقد الاجتماع والحديث عن شرعية الاجتماع بهذا المعنى هو ساذج وسطحي وهش ومتهالك.
أما المقاطعة لأسباب سياسية فهذا أمر آخر، بالرغم من كونه عدمياً في الواقع، ولم يثبت له أي صحة في التجربة السياسية للشعب الفلسطيني، ولم يكن لمعظم المقاطعات أي مردود يذكر، على مدى أكثر من خمسين عاماً من العمل الفلسطيني المشترك.
وليس واضحاً كيف يمكن أن «يساهم» عقد الاجتماع في «تعزيز أو تكريس الانقسام طالما أن حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي هما خارج الإطار القانوني المباشر للمجلس، وطالما أنهما كانا بهذه الصفة دائماً، ولم تكونا جزءاً من المجلس في أي يوم من الأيام، حتى تصور الأمور وكأن عقد الاجتماع من دونهما «سيكرّس» الانقسام!
الانقسام مكرس أصلاً قبل دورة المجلس الحالية، وقبل الدورة السابقة، وقبل التي سبقت السابقة، وليس هناك من علاقة «بالتكريس»، لا من قريب ولا من بعيد ارتباطاً بعقد هذا الاجتماع.
على العكس تماماً، فإن فرصة انعقاد هذا المجلس بالذات هي فرصة ذهبية لمحاسبة اللجنة التنفيذية على عدم تطبيق القرارات التي اتخذها المجلس المركزي، والمجلس بكل المقاييس المنبر الأهم لمعارضة أي سياسات من شأنها أن «تكرس» الانقسام أو تهدد المشروع الوطني، أو تعيد الاعتبار لاتفاقيات أوسلو أو غيرها.
بل هي فرصة سياسية كبيرة لإعادة الاعتبار للقرارات السابقة، ولمحاسبة من قصّر في تنفيذها، ووضع ضوابط وآليات لهذا التنفيذ، ليس لما سبق من قرارات وطنية مهمة صدرت عن هذا المجلس في دوراته السابقة، وإنما عن قرارات سياسية مهمة ومصيرية جديدة لا بد من اتخاذها.
وبهذه المعاني كلها فإن الدعوة إلى المقاطعة أو الذهاب إلى موقف وموقع المقاطعة هي دعوات ومواقف فاقدة لأي «شرعية» قانونية، وهي فاقدة لأي أسس سياسية مقنعة، بل إن المقاطعة في الواقع، وفي ظل حالة الاستقطاب القائمة هي إمعان في هذا الاستقطاب، وهي مساهمة «مجانية» في استمرار حالة التمترس في خنادق الانفصال وسياسات البدائل.
أي  أن المقاطعة في الواقع هي التي من شأنها أن «تكرس» الانقسام وليس المشاركة، ولأن المشاركة لا تمنع التصدي لأي سياسات تراها المعارضة سياسات قد تؤدي إلى «تكريس» الانقسام، طالما أن الهدف أصلاً هو منع هذه السياسات والتصدي لها.
وليس واضحاً على الإطلاق كيف أن المقاطعة ستؤدي إلى منع هذه السياسات طالما أنها (أي المقاطعة) خارج نطاق الفعل والتأثير المباشر؟
أما إذا كانت الحجة بأن كل الأمور قد جرى «ترتيبها» مسبقاً، وأن حضور المعارضة لن يغير شيئاً، وأن دورها سيكون مثل دور شاهد الزور، فإن الواقع لا يقول ذلك أبداً، وليس كل أعضاء المجلس المركزي (على قلبِ رجلٍ واحد)، وليس هناك من توافق أو اتفاق مسبق، والاجتماع سيد نفسه، ولا يوجد في أي مؤسسة وطنية فلسطينية بمثل هذا التوافق والاتفاق، بما في ذلك داخل المؤسسة الحزبية الواحدة لأصحاب دعوات المقاطعة أنفسهم، وهم يعرفون ذلك جيداً ويدركونه تماماً.
مع ذلك فإن هناك عشرات الملاحظات الجوهرية على طريقة الأداء الفلسطيني حيال المؤسسات الوطنية كلها، وحيال كل مبدأ المؤسساتية، وحيال الارتجال الكبير الذي شهدناه في الدعوة لانعقاد دورات المجلس المركزي السابقة، وفي طريقة (الإضافات العشوائية المتسرعة) لبعض الأعضاء فيه، وهو أمر وأمور ما زالت مستمرة، وتستمر مع الأسف دون أدنى شعور أو سلوك بضرورة مغادرة هذا النهج، والذي لا يقل خطراً على المؤسسات الشرعية عن خطر التعامل بخفة واستهتار، والتعامل مع شرعيتها وكأنها عباءة نتغطى بها أو نخلعها حسب تقلبات الأجواء السياسية، وحسب صعود أو هبوط بورصات العمل السياسي في الإقليم.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد