تعترف مصادر إسرائيلية عديدة مجدداً بأن إسرائيل توصلت إلى تفاهمات مع الحركات الإسلامية المعارضة التي تعمل بالقرب من هضبة الجولان المحتلة وفي القسم الذي لا يزال تحت السيطرة السورية وأنها لا تشعر بأن أمنها مهدد من هذه الحركات. هذا الاعتراف في الواقع يضاف إلى اعترافات سابقة تقول أن سلطات الاحتلال اقامت ستة مستشفيات ميدانية في الجولان المحتل لمعالجة المصابين من مقاتلي المعارضة السورية، في حين يتم نقل من تكون اصابته صعبة أو خطيرة إلى مستشفيات صفد و"رمبام" في حيفا. وهناك تسريبات تقول أن بعض قادة المعارضة يتلقون تدريبات في إسرائيل. والشيء المؤكد في كل ما سبق هو وجود مصالح مشتركة لإسرائيل وبعض فصائل المعارضة في تدمير الدولة السورية والقضاء على مقدراتها وإن أمكن تقسيمها إلى دويلات متناحرة. ولعل التدخل العسكري الإسرائيلي المتكرر وخاصة بقصف قوات النظام السوري في أكثر من موقع كان يشير إلى محاولات إسرائيلية لدعم المعارضة أو تخفيف الضغط عنها.
وفي الواقع لا تجد إسرائيل في الفصائل الإسلامية المتطرفة عدواً حقيقياً، بل هي تستخدمها لترويج الدعايات حول خطر الإسلام وما يمكن أن تتعرض له إسرائيل فيما لو انسحبت وسمحت بقيام دولة إسلامية على غرار ما يجري في غزة أو بنموذج أشد تطرفاً مثل "داعش" ومثيلاتها. بل أن الحقيقة الراسخة في علاقة إسرائيل مع بعض قوى الإسلام السياسي تشير إلى أن التفاهم مع هذه الحركات أسهل بكثير من التفاهم مع القوى الوطنية والقومية التي لها مطالب اقليمية محددة وواضحة حدها الأدنى إزالة الاحتلال الإسرائيلي. والتجربة تؤكد ذلك، فمع نظام الرئيس محمد مرسي استطاعت إسرائيل أن تتوصل إلى تفاهمات حول وقف إطلاق النار في غزة والأخطر تمرير مشروع دولة غزة الكبرى على حساب الأراضي المصرية. وهي على الرغم من الحروب المتتالية مع غزة والتي تخدم الادعاءات الإسرائيلية أصلاً تصر على بقاء " حماس " قوية في غزة كعنوان لحفظ الأمن والاتفاق على وقف اطلاق نار طويل الأمد يمنح إسرائيل ما تحتاجه من وقت لانجاز مشروعها الاستيطاني في الضفة وخاصة في القدس المحتلة.
عملياً كل حركات الإسلام السياسي باستثناءات نادرة لا تكترث كثيراً لموضوع الأرض والحدود والحقوق الوطنية أو القومية على اعتبار أن الأرض لله وأن الدولة الإسلامية تقوم في أي مكان ممكن، فلا ضير إن كانت في افغانستان أو الباكستان أو العراق أو سورية أوافريقيا أو أوروبا، ومصير فلسطين ممكن أن ينتظر إلى ما بعد تحرير المسلمين من المسلمين الذين لا يتبنون نفس الأفكار، لا بل لا يأتمرون بأمر الخليفة الجديد الواحد ولا مجال لأكثر من خليفة واحد على حق والآخرون كفار، وكل المسلمين الذين ليسوا مع الخليفة هم كفار ناهيكم عن المواطنين من اتباع الديانات أو الطوائف الأخرى، فهؤلاء قتلهم حلال وأموالهم ونساؤهم وحياتهم مستباحة تخضع لأمر الخليفة الواحد الأكبر والأمراء الذين يخضعون له.
الحكومة الإسرائيلية تشعر أنها حالة من السعادة والغبطة التي تصل إلى مستوى الهذيان، فالدول العربية المركزية إما تدمر كما حال العراق وسورية أو تستنزف كما مصر والسعودية مع الفرق في الظروف والتحديات، والبدائل التي في الميدان حليفة وصديقة أو على الأقل لا تكن العداء والضغينة ولا تضع إسرائيل والاحتلال على جدول اعمالها، فتنظيف المجتمعات وأسلمتها على الطريقة الداعشية أو الإخوانية، لا فرق، هو الأولوية الآن. أليس هذا مثالياً لكي ترى إسرائيل المنطقة بعيون مصالحها، خاصة وعدوها الأول الشعب الفلسطيني منقسم تريد أن تفاوض قسماً منه إلى الأبد لكي تقول للعالم نحن في إطار عملية سياسية دعوها تنضج وتصل إلى حلول تحتاج الكثير من الوقت، وتفاوض قسماً آخر على دعم الانقسام وتكريس حكم فئة على حساب مصالح الشعب وقضيته بينما العالم العربي يعيش مأساة الحروب الأهلية المدمرة والحروب بالوكالة.
وليس غريباً ان يتبادر إلى ذهن رئيس حكومة إسرائيل فكرة جهنمية عنوانها ايجابي وفحواها ماكر وخبيث وهي التفاوض حول الكتل الاستيطانية، فلو طرح مثلاً التفاوض على الحدود انطلاقاً من المرجعيات الدولية: قرارات مجلس الأمن والمبادرة العربية للسلام لكنا قلنا ربما هناك تغيير في الموقف الإسرائيلي قد يقود إلى اتفاق، ولكن الدعوة للتفاوض حول الكتل الاستيطانية يهدف في الواقع إلى انتزاع اعتراف من القيادة الفلسطينية بالقبول بضم إسرائيل للكتل الاستيطانية التي تشمل "معاليه أدوميم" و"جفعات زيف" وأحياء من القدس الشرقية، و"غوش عتصيون" في الجنوب ، و"ارئيل"و "كفار كدوميم" في الشمال، وربما غيرها. وعندما يعلن الفلسطينيون عن موافقتهم على ضم جزء منها في اطار التسوية ستقول إسرائيل للعالم لماذا تقاطعون المستوطنات طالما أن حولها مفاوضات وطالما أن الفلسطينيين يوافقون على ضم جزء منها لإسرائيل.
إذاً هي دعوة تبدو كرغبة في التفاوض ولكنها كذبة يراد منها منح المستوطنات شرعية فلسطينية ودولية أو على الأقل بلبلة الموقف الدولي بشأنها وتعطيل إجراءات المقاطعة التي بدأت تأخذ أشكالاً مقلقة لإسرائيل، وهناك خشية من تطورها إلى ما هو أسوأ أي لتتحول إلى مقاطعة شاملة للاحتلال تتبع بعقوبات دولية مؤثرة.
لا يوجد هناك بدائل كثيرة للفلسطينيين الذن ينبغي أن يرفضوا أية مفاوضات مع إسرائيل لا تستند للمرجعيات الدولية وتحديداً الإقرار بأن الدولة الفلسطينية يجب أن تقوم على أساس حدود عام 1967، وحقوق اللاجئين الفلسطينيين على أساس القرار 194. ولكن كل هذا لن ينفع ولن يغير واقع الحال إذا لم تتحقق وحدة الوطن ووحدة الجسم القيادي. فالوحدة عنوان الخلاص ويجب أن تنجز بأي ثمن، ومن يتسبب في تعطيلها مجرم وشريك للاحتلال.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية