فرنسا وأمريكا تسعيان لتجديد المفاوضات بين عباس ونتنياهو
القدس / سوا / في الثامن من مايو، جاء في تقرير للصحيفة اللندنية "القدس العربي" حسب مزاعم مسؤول فلسطيني بأن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يدفعون السلطة الفلسطينية للعودة الى طاولة المفاوضات مع إسرائيل.
وقال تقرير نشره موقع المونيتور الاسرائيلي وترجمه مركز أطلس للدراسات الاسرائيلية ان الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أيضًا يفهمان طبعًا انها مهمة مستحيلة بالنظر الى تركيبة الحكومة الاسرائيلية الجديدة، وكذلك من رد الرئيس الفلسطيني أبو مازن على إجرائها، وفي المقابل فإنهما يفهمان أيضًا انه من أجل إطلاق العملية السياسية العالقة يجب على الأقل طرح مقترح دولي على الطاولة من أجل تجديد المفاوضات.
مصدر مسؤول من وزارة الخارجية الفرنسية تحدث للمونيتور، ودون ان يذكر اسمه، حول الزيارة التي قام بها عدد من المسؤولين الفرنسيين الى رام الله بداية مايو، ووفق المصدر فقد أوضح المسؤولون الفرنسيون ان مقترح القرار الذي ستقدمه فرنسا في مجلس الأمن سيكون أكثر جدوى بعد تجديد المفاوضات أو على الأقل بعد بذل جهود حقيقية لإحياء العملية السياسية بدلًا من إطلاق مبادرة كهذه فورًا، وحسب قوله فإن باريس مستمرة في إطلاع واشنطن على برامجها وخطواتها السياسية، ربما يبدو الأمر مفاجئًا لكن ذات المصدر الفرنسي يشعر ان هناك أمل في إمكانية حدوث تقدم من نوع ما.
"ربما يريد أبو مازن ان يبدي مرونة، ولو من أجل حث المجتمع الدولي على التحرك، ونتنياهو ربما يكون سعيدًا إذا تلقى مقترحًا معقولًا لكي يستخدمها كأساس لإحداث تغيير في الكابنيت قبيل تشكيل حكومة وحدة مع المعسكر الصهيوني" قال الرجل.
باريس، وكذلك واشنطن بطبيعة الحال، ستسعدان هما أيضًا لتقديم مثل هذه الخطوة التكتيكية التي ستمهد الطريق أمام عملية سياسية في خريف العام 2015 بعد إتمام الاتفاق النووي مع إيران، يبدو ان وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس مصر على العمل على هذا الموضوع، حسب قول نفس المصدر يبلور الفرنسيون قبيل الخريف مبادرة تضم ست بنود أساسية.
البند الأول والأكثر أهمية هو حل الدولتين لشعبين، والذي يستند الى حدود الـ 67 وعلى تبادل الأراضي (من أجل نسخ المستوطنات). بند آخر مخصص لقضية القدس كمدينة موحدة وكعاصمة مشتركة، الأحياء اليهودية والمواقع المقدسة لليهود تبقى تحت السيادة الإسرائيلية، والأحياء الفلسطينية والأماكن المقدسة للمسلمين تكون تحت سيادة فلسطينية. البند الثالث يعالج الترتيبات الأمنية على طول الحدود، بما في ذلك تواجد مؤقت لإسرائيل في الأغوار الأردنية ونشر قوات دولية، دولة فلسطين تكون منزوعة تمامًا من السلاح، أما قضية اللاجئين الفلسطينيين تحل بطريقة مشتركة ومتوافق عليها، وسيتطلب الأمر اعترافًا متبادلًا بالدولتين ويتم الاتفاق على إنهاء الصراع. وإجمالًا سيوضع جدول زمني لعامين أو ثلاثة، سواءً للمفاوضات أو لتطبيق الاتفاق.
وقبل حوالي شهرين، عندما قدم الفرنسيون في مجلس الأمن مسودة أولية لمقترح القرار؛ أوضح الرئيس أبو مازن ان الموقف الفرنسي غير مقبول لديه، ويصر الفلسطينيون على الحد الأدنى من تبادل الأراضي وتحديدها مقلصة ومتبادلة، ويريدون أيضًا تحديد التواجد الأمني الإسرائيلي في الأغوار لفترة انسحاب لا تتجاوز العامين فقط، ويطالبون بصيغة أكثر تشددًا في موضوع السيادة الفلسطينية في القدس الشرقية وجبل الهيكل (المسجد الأقصى المبارك) ويصرون على جدول زمني لا يتجاوز العامين لإنهاء الاحتلال.
وعلى النقيض؛ فنتنياهو أبعد كثيرًا من الموقف الفرنسي أو الأمريكي، في نهج حكومته الجديدة لم يرد ذكر حل الدولتين إطلاقًا، بينما يشكل استمرار البناء في المستوطنات وتوسيعها خيارًا مستقبليًا حقيقيًا، وهذا الموقف معروف جيدًا في المواجهة الشديدة التي اندلعت بين رؤساء وزارة الخارجية الاسرائيلية والفرنسية عند لقائهم في القدس في الـ 10 من مايو.
الجانب الاسرائيلي اتهم الفرنسيين بالميل الى جانب واحد لصالح الفلسطينيين، والفرنسيون في المقابل خلصوا الى ان التشكيلة الحالية للائتلاف تقود بما لا يدع مجالًا للشك الى طريق مسدود، وأن الأطراف المتصارعة لن تجد أرضية مشتركة إلا بتشكيل حكومة وحدة في إسرائيل تضم "المعسكر الصهيوني" أيضًا، الحسبة الفرنسية بخصوص المقترحات المختلفة تأخذ بالحسبان الواقع السياسي، وحسب قول نفس المصدر الفرنسي المسؤول ان باريس تقدر بحذر شديد ما هي المعايير السياسية لحكومة أكثر اعتدالًا فيما لو تشكلت مثل هذه الحكومة في إسرائيل، دون التدخل بأي شكل من الأشكال بالعمليات السياسية الداخلية التي تدور في إسرائيل، الفرنسيون والأمريكيون على حد سواء يعتقدون ان حكومة وحدة وطنية في إسرائيل هي مسألة وقت لا غير، لأن حكومة نتنياهو الجديدة فعلًا، والتي تستند الى أغلبية الـ 61، غير قابلة للحياة.
الرئيس الأمريكي باراك أوباما أشار الأسبوع الماضي أكثر من مرة الى الحاجة المستعجلة لحل الدولتين، وإلى خيبة أمله من ان الكابنيت الاسرائيلي الجديد ليس شريكًا في هذا الموقف، الموقف الأمريكي المستقبلي في اللحظة التي تعود فيها الواقعية السياسية الى إسرائيل، والى رام الله أيضًا، واضح كالشمس، ومستند على مقترحات إطار وزير الخارجية؛ هذه المقترحات تشبه الى حد كبير المواقف التي يبلورها الفرنسيون هذه الأيام، غير أنها أكثر غموضًا فيما يخص قضية القدس الشرقية، وتميل أكثر لصالح إسرائيل في قضايا مثل الترتيبات الأمنية ونشر قوات الجيش الإسرائيلي في الأغوار، وتستبعد نهائيًا موضوع الجدول الزمني.
في واشنطن أيضًا، وفي بروكسل كذلك، يتوقعون من الحكومة الجديدة في إسرائيل ان تعتمد هذه المواقف كأساس للمفاوضات المستقبلية، في المقابل فهم يتوقعون من عباس أيضًا ان يبدي مرونة معينة بالمقارنة مع الموقف الذي اتخذه في ربيع العام 2014، وعلى كل حال لن يطرأ أي تقدم جدي في هذه القضايا قبل تحقيق اتفاق نهائي مع إيران، وقبل ان يصادق هذا الاتفاق من قبل الكونغرس.
يبدو ان الفرنسيين صادقون بتشخيصهم للشعور بالاستعجال، وبالنظر الى الاحباط واليأس الذي يشعر به الفلسطينيون فالوضع أشبه ببرميل من المواد المشتعلة الذي قد ينفجر ويتحول الى عنف قبل ان يكون المجتمع الدولي جاهزًا للتركيز مرة أخرى على الموضوع، صحيح ان بلورة مقترح سياسي هو أمر ضروري، لكن الدرس الذي كان يجب تعلمه من المبادرة السياسية السابقة التي تقدم بها وزير الخارجية جون كيري هو انه وقبل بلورة أي مقترح يجب خلق الظروف الموائمة، وفي هذه الحالة تجميد الاستيطان من قبل إسرائيل، ووقف التحركات السياسية الأحادية في الأمم المتحدة من قبل الفلسطينيين، بعدها ينبغي تقديم مقترح ليس للجانبين الأساسيين المعنيين بالصراع فقط؛ وإنما لبقية الشركاء الإقليميين من بينهم مصر والأردن والسعودية لكي يتم إدخالهم أيضًا في عملية إقليمية شاملة، المقترح يجب ان يستخدم فقط كأساس للمفاوضات الساعية الى انهاء الاحتلال والصراع خلال عامين على الأكثر.
إلى الآن، وللأسف الشديد، يبدو ان الولايات المتحدة أيضًا، وكذلك الاتحاد الأوروبي، يوجهون معظم جهدهم وعنايتهم الى الشؤون الداخلية، والى المشاكل الداخلية لدى الطرفين المتورطين بالصراع، ولكن في نهاية الأمر فإن العملية السلمية هي مصلحة استراتيجية لإسرائيل والفلسطينيين وللمنطقة وللولايات المتحدة أيضًا والاتحاد الأوروبي كذلك.