طالع كلمة الرئيس عباس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة
أكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس ، اليوم الإثنين، أنه "بعد مرور 30 عاما على مؤتمر مدريد للسلام، نحن على قناعة أكثر من أي وقت مَضى، أن الرعاية الدولية ضرورة لتحقيق السلام".
وأضاف الرئيس عباس، في كلمته لمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، التي ألقاها مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة السفير رياض منصور، في الجلسة الخاصة التي عقدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بهذه المناسبة، "هناك من يعتقد بأن الوقت لم يحن لإطلاق مبادرات سلام دولية طموحة أو لإحياء عملية السلام بسبب رفض أحد الأطراف، ما يغيب أفق التوصل إلى الحل".
وفيما يلي كلمة الرئيس عباس لمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني:
معالي السيد أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة،
معالي السيد عبد الله شهيد، رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة،
سعادة السفير خوان رامون ديلا فوينتي، رئيس مجلس الأمن،
سعادة السيد شيخ نيانج، رئيس اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف،
أصحاب السعادة، السيدات والسادة،
أود في البداية، باسمي وباسم الشعب الفلسطيني، أن أتوجه بالشكر والامتنان لكل من يؤمن بعدالة قضيتنا التاريخية ومركزيتها حول العالم، ولكل الشعوب التي عبرت عن تضامنها مع الشعب الفلسطيني وأيدت نضاله الشرعي، وشهدت على عزيمته وصموده في الأرض الفلسطينية المحتلة وفي القلب منها القدس ، كما وشهد العالم نضال شعبنا ومعاناته في مخيمات اللجوء في الوطن والشتات.
كما نعرب أيضا عن جزيل شكرنا للدول التي أكدت، بأغلبية ساحقة، على دعمها لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وعلى التزامها بالقانون الدولي والشرعية الدولية. إن صمود شعبنا الفلسطيني على أرضه وفي كل مكان في العالم، ووقوفكم إلى جانبه وتضامنكم المستمر معه هو ما يُبقي قضية فلسطين حية وحاضرة رغم مرور السنين وتتابع الأجيال.
أصحاب السعادة، السيدات والسادة،
لقد حدد المجتمع الدولي رؤيته للسلام قبل عقود من الزمن وهي حل الدولتين على حدود 1967، وتجسدت هذه الرؤية في قرارات هذه المنظمة، حيث اشتملت قرارات الأمم المتحدة على مرجعيات وأسس الحل وعلى آليات تنفيذه ضمن إطار زمني محدد، بما في ذلك من خلال قرار مجلس الأمن 2334 الذي يهدف بشكل رئيس إلى إنقاذ حل الدولتين على حدود 1967، وحددت واجبات الأطراف وواجبات الدول بعدم الاعتراف بالأعمال أحادية الجانب غير الشرعية، وعدم منحها أي شكل من أشكال الدعم، وضرورة التمييز عند التعامل مع إسرائيل، بين الأرض الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967، بما فيها القدس الشرقية، ودولة الاحتلال الإسرائيلي، وضمان احترام القانون الدولي وتوفير الحماية الدولية لشعبنا الأعزل. وهنا نحذر الدول التي تنشئ مكاتب تجارية أو دبلوماسية في القدس ومن عقد اتفاقيات مع المؤسسات التعليمية أو الشركات في المستوطنات أو شراء بضائع منها، لأن جميع هذه الأفعال مخالفة للقانون الدولي من ناحية، وتشجع سلطات الاحتلال الإسرائيلي لارتكاب المزيد من الجرائم بحق الشعب الفلسطيني. ونقول لهذه الدول، أنتم بذلك تزيدون من معاناة شعبنا لأنكم تعمقون وجود الاحتلال على أرضنا، ولا تساهمون في صنع السلام والأمن والاستقرار في المنطقة.
لطالما رفض المجتمع الدولي ما تقوم به إسرائيل من سياسات الضم الاستعماري والتوسع الاستيطاني على أرضنا وانتهاك حقوق شعبنا واستباحة مقدساتنا المسيحية والإسلامية. ولكن هذا الموقف الدولي الداعم لا بد أن ترافقه تدابير عملية لترجمة الإجماع الدولي إلى أرض الواقع، وتمكين شعبنا من ممارسة حقه في تقرير مصيره، ونيل حريته واستقلاله على أرضه، وإنجاز السلام العادل والشامل في المنطقة. ونحث في هذا الصدد الدول التي تؤمن بحل الدولتين وتعترف بإسرائيل أن تقوم أيضاً بالاعتراف بدولة فلسطين.
ولكن رفض إسرائيل لحل الدولتين بشكل صارخ، وإصرارها على تعميق احتلالها بدلا من إنهائه وانتظار جاهزية الأطراف للحوار وتحقيق السلام يعني عمليا ترك إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، تستكمل الضم من خلال فرض الوقائع غير القانونية وتغيير الحقائق على الأرض، ما يزيد من تعقيد الوضع القائم، ويجعل حل الدولتين أكثر صعوبة وربما مستحيلا. لهذا فقد قدمنا بدائل واقتراحات في كلمتنا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، بأن سلطات الاحتلال تقوض حل الدولتين وتعمق واقع التمييز العنصري، وتسيطر قواتها العسكرية على شعبنا الفلسطيني، وهذا ما لا نقبله، لذلك عليهم أن يختاروا بين حل الدولتين وفق الشرعية الدولية أو حل الدولة الواحدة للجميع، لأننا لن نقبل ببقاء الاحتلال إلى الأبد.
هذه لحظة فارقة، إما أن تنتصر فيها الإرادة الدولية ومعها حل الدولتين، أو يترك حل الدولتين رهينة لإرادة المحتل، وهذا يعتبر تخلياً عن هذا الحل. لا يعقل أن ننتظر من المحتل الإسرائيلي الذي يدعم الاستيطان وعنف المستوطنين، ويصر على العدوان ضد شعبنا في القدس، في البلدة القديمة والشيخ جراح وسلوان، ومن ينتهك المقدسات، ويحاصر شعبنا في قطاع غزة ويقتل وينكل بأسرانا ويحتجز جثامين أبنائنا ويدمر بيوتنا ويهجر أطفالنا، أن يستيقظ يوماً ما ويختار السلام في غياب جهد دولي مكثف وجدي يشتمل على خطوات رادعة تضع حداً لهذه السياسات والجرائم.
أصحاب المعالي والسعادة، والأصدقاء الأعزاء،
بعد مرور 30 عاما على مؤتمر مدريد للسلام، نحن على قناعة أكثر من أي وقت مَضى، أن الرعاية الدولية ضرورة لتحقيق السلام. هناك من يعتقد بأن الوقت لم يحن لإطلاق مبادرات سلام دولية طموحة أو لإحياء عملية السلام بسبب رفض أحد الأطراف ما يغيب أفق التوصل إلى الحل. وسؤالي هنا، أين كان أفق الحل والسلام قبل مؤتمر مدريد؟ وما كان مدى بُعد واختلاف الأطراف آنذاك؟ وكم من الوقت كانت الإرادة الدولية لتنتظر حتى يجهز الأطراف للحوار؟ نحن جاهزون للعمل مع المجتمع الدولي، بما في ذلك مع الرباعية الدولية ومجلس الأمن لإنقاذ حل الدولتين على حدود 1967 قبل فوات الأوان. وهنا نجدد التذكير بأننا نمد أيدينا إلى السلام العادل والشامل.
ونعيد التأكيد على أهمية عقد مؤتمر دولي تحت رعاية الرباعية الدولية، كآلية استحدثها مجلس الأمن لهذه الغاية، وبمشاركة الأطراف المعنية كافة بهدف الانخراط في عملية سلمية حقيقية تحتكم للشرعية الدولية، وتهدف إلى إنهاء الاحتلال وحل قضايا الحل النهائي كافة، وتحديد رزمة من الضمانات لتنفيذ ما يتفق عليه ضمن فترة زمنية محددة، لتحقيق سلام عادل وشامل، يؤدي إلى إنهاء الاحتلال ونيل الشعب الفلسطيني حريته واستقلاله في دولته على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
من جانبنا نحن لن ندخر جهداً بالوفاء بالتزاماتنا بموجب القانون الدولي، وسنواصل العمل على توحيد أرضنا وشعبنا والذهاب للانتخابات الرئاسية والتشريعية عند تمكننا من عقدها في القدس، وكذلك تشكيل حكومة وحدة وطنية، يؤمن جميع أطرافها بالشرعية الدولية، وبذل المزيد من الجهود على ترتيب بيتنا الفلسطيني، وتحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام، وترسيخ سيادة القانون وحقوق الإنسان والقيم الديمقراطية وحرية التعبير وتمكين المرأة والشباب، والنهوض بالاقتصاد الوطني، وكل ذلك بالشراكة مع مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص، كما سنستمر في الوفاء في التزاماتنا بموجب القانون الدولي.
أصحاب المعالي والسعادة، الأصدقاء الأعزاء،
إن ما تريده إسرائيل هو ابتلاع أقصى قدر من الجغرافيا الفلسطينية مع الحد الأدنى من الديموغرافيا الفلسطينية، في الوقت الذي يعيش على أرض فلسطين التاريخية بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن حوالي 13,5 مليون نصفهم تقريبا أو يزيد من الفلسطينيين والنصف الآخر من الإسرائيليين اليهود.
اليوم أكثر من أي وقت سبق، الخيار واضح وغير قابل للتأويل، كما عبر عنه الرئيس جيمي كارتر، إما السلم أو الابرتهايد. فلن يقبل العالم ابرتهايدا جديدا.
إن الشعب الفلسطيني لن يقبل بالقهر والظلم، وسيواصل كفاحه المشروع ضد الاحتلال الاستعماري لأرضنا وشعبنا. إننا لن نتخلى عن ثقافة السلام الراسخة فينا وسنواصل نهجنا في المقاومة الشعبية السلمية ولن نقبل بمستقبل من الجدران والحصار والتمييز العنصري والقهر والكراهية والاستعمار. وستبقى قضية فلسطين الشاهد على مدى مصداقية هذا المجتمع الدولي وفعالية نظامه الذي أرساه لاحترام القانون الدولي، ولحفظ السلم والأمن الدوليين، ولمنع الاستيلاء على أرض الغير بالقوة ولدعم حق الشعوب في تقرير مصيرها، وفقاً للوعود والعهود التي صكها في قراراته ومعاهداته الدولية. وشعبنا لا يطالب بأكثر مما تكفله الشرعية الدولية لباقي شعوب الأرض ولكنه أيضاً لن يقبل بأقل، ومصير شعبنا وقدره أن يعيش حراً كريماً في أرضه فلسطين ولن تثنيه قوة على الأرض من تحقيق هذا الهدف.
والسلام عليكم.