الصبّارة في الصدارة - ندى حمد

ندى حمد

تخيلوا لو أن الأطفال تحت سن الثالثة أصبحوا ميكانيكيين!، أو أنهم ينزوون خلف أربعة جدران ليتفاعلوا مع لعبة ويرددوا ما تقوله تماماً كالببغاء؟!

لعبة الصبارة الراقصة، صينية المنشأ، لعبت مؤخراً دور البطل في الأسواق الغزية والمواقع الإلكترونية، وما بين التسلية والسخرية والبحث عن سعرها، والمطالبة بتخفيضه.

تتكون اللعبة من مجسم على شكل صبارة من القطن بهيكل قوي غير قابل للكسر، وهو ما يزيد عمرها الافتراضي، مزودة بالأغاني، ولها القدرة على الرقص، وترديد الكلمات عقب نطقك لها، كما أنها تتحدث بأكثر من لغة وعلى هذه الفكرة تقوم اللعبة التي تفاعل معها الكبير قبل الصغير.

لقد وصل سعر اللعبة في قطاع غزة إلى 80 شيكل أي ما يعادل 25 دولارـ هذا الرقم من منظور آخر يعادل ثلاثة أو أربعة أضعاف أجرة عامل البناء الذي تمتد ساعات عمله من السابعة صباحا وحتى السابعة مساء.

وبمنظور آخر أيضا بالإمكان جعل هذا المبلغ أكثر قيمة عبر التبرع بجزء منه لأسرة محتاجة وشراء ألعاب أخرى ذات قيمة بباقي المبلغ، ومن ذلك ألعاب البازل التي تحفز ذكاء الأطفال، وألعاب المكعبات التي تقوي عضلات اليد، وغيرها.

إن من الواضح أن كثيرين ممن تهافتوا على شراء اللعبة، تأثروا بغيرهم ممن سبق لهم شرائها، خاصة بعد الضجة على وسائل التواصل الاجتماعي التي رافقت انتشار اللعبة.

وهنا يبرز السؤال: متى تغلب العقل الواعي حالة الانجرار وراء القطيع؟!
خاصة أن الأخصائيين النفسيين يعتقدون أن الفئة الأكثر تضرراً من هذه اللعبة هم الأطفال الذين تقل أعمارهم عن الثلاث سنوات، والذين يمرون في " مرحلة اكتساب اللغة".

إن هذه اللعبة تعتبر مشكلة في حد ذاتها ترتبط أيضاً بالفترة الزمنية التي يستخدمها الطفل في اللعب عليها، حيث أن جلوس الطفل لفترة زمنية طويلة يعيق التطور السلوكي والإدراكي والمعرفي له والذي يكتسبه من التفاعل مع أفراد أسرته و أقرانه.

"وما زاد الطين بلة" أن اللعبة تسير في اتجاه واحد وهو ترديد الكلام فقط مما يمنع الطفل من التواصل مع أسرته وتعلمه المهارات المختلفة، وحتى الجانب الشخصي كان له نصيبه من التأثر خاصة أن الأطفال في هذه المرحلة يميلون إلى اللعب الفردي مما يعزز ميل الطفل للوحدة وبالتالي قلة التعامل مع البيئة المحيطة به والتعلم منها وسحبه إلى العالم الافتراضي.

إن الحديث عن مخاطر الصبارة لا يمنعنا أيضاً من التفكير في جعلها وسيلة مفيدة للطفل من خلال تحديد فترة زمنية لاستخدامها على أن لا تزيد عن ساعة واحدة في اليوم، مع أهمية أن يُشارك الأهل طفلهم لاكتساب مصطلحات وكلمات جديدة ويمكن استخدامها كوسيلة للحوار مع الطفل بطريقة إيجابية وإدخال السرور والبهجة له.

بقي أن نقول أن استخدام اللعبة للتسلية يجب أن يكون بطريقة لا تلحق الضرر بالطفل وقدرته على التواصل مع المحيط، فنحن لا نحتاج لأطفال قادرين على ترديد الكلمات فقط بل نحتاج لأطفال متنورين قادرين على التحدث والتفاعل مع محيطهم الاجتماعي.

هذه المادة مخرج تدريبي لنادي الإعلام بمركز رُسل لرعاية الموهبة

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد