أثارت جريمة اغتصاب طفلة في الرابعة من مدينة رفح جنوب قطاع غزة غضباً ورعباً وارتباكاً في الشارع الغزي، ومع ظهور نتائج التحقيق تبين أن الجاني هو عمها شقيق والدها، ويبلغ من العمر 35 سنة، وهو ضابط في الشرطة الفلسطينية في قطاع غزة.
الجريمة وقعت في الثامن من تشرين الثاني/ نوفمبر، داخل منزل العائلة، وقد لاحظت والدة الطفلة أن الدم ينزل من ابنتها، وتم نقلها إلى مستشفى قريب من منزل العائلة، وبعد الكشف الطبي تبيّن تعرضها لاعتداء جنسي.
وقد فتحت الشرطة تحقيقاً في الجريمة، وبعد أربعة أيام من التحري والتحقيق، أعلنت الشرطة انتهاء التحقيق وإلقاء القبض على الجاني، وتبين أنه عم الطفلة، وقد اعترف بالتهمة المنسوبة إليه، مقراً بأنه اعتدى على الصغيرة.
وبحسب بيان المتحدث باسمها، فإن الشرطة تابعت الجريمة التي وقعت في مدينة رفح، وهما من العائلة ذاتها، وقد فتحت الشرطة تحقيقاً فورياً في الحادثة، وتم إلقاء القبض على الجاني.
وعلى إثر ذلك أصدر والد الطفلة بياناً للرأي العام نشره على حسابه على “فايسبوك”، وقال فيه “لقد عانيت منذ وقوع تلك الجريمة النكراء آلاماً لا يعلمها إلا الله، إلا أن ما زاد من أوجاعي هو المنشورات التي ملأت صفحات فايسبوك هنا وهناك، وتناقل الأخبار والأحاديث… كما أحمل المسؤولية لكل من يتسابقون لنشر الأخبار الكاذبة، التي تصب الزيت على النار، ولا تهدف إلا إلى الشهرة، والمتاجرة بقضيتي، كما أعلن للجميع أنني أرفض بشكل قاطع أن يتم الزج باسمي وباسم ابنتي في أي خلافات سياسية، أو لخدمة أهداف حزبية”.
جريمة اغتصاب الطفلة شكلت رأياً عاماً طالب بضرورة إنزال أشد العقوبات بالجاني، وربما جاء بيان والد الطفلة بناء على محاولة البعض توجيه الاتهام لـ”حركة حماس ” وتقصيرها في التحقيق بخاصة أن المتهم ضابط في الشرطة.
وفي خطوة مستغربة قد تأتي على خلفية الانقسام، أصدر وزير التنمية الاجتماعية في الحكومة في رام الله أحمد مجدلاني بيان إدانة، استنكر فيه حادثة اغتصاب طفلة لا تتجاوز الخامسة في مدينة رفح وقال: “إن طواقم وزارة التنمية العاملة في قطاع غزة تتابع لحظة بلحظة مجريات التحقيق للوقوف على تفاصيل الحادث واتخاذ أفضل التدابير التي تحقق المصلحة الفضلى للطفلة المعتدى عليها”.
وطالب مجدلاني حكومة الأمر الواقع في قطاع غزة بضرورة إنزال أقسى عقوبة بحق مرتكبي الجريمة البشعة ليكونوا عبرة لكل من تسول له نفسه الإقدام على مثل هذه الجرائم، وعدم عرقلة عمل مرشدي التنمية لما فيه مصلحة الطفلة وذويها.
على رغم أن جرائم اغتصاب الأطفال أو ما يسمى سفح ذوي القربى، لا تشكل ظاهرة في فلسطين عموماً وقطاع غزة ضمناً، إلا أن الناس يحاولون استذكار جريمة قيام أربعة شبان من غزة أدينوا بتهم خطف واغتصاب وقتل فتاة تبلغ من العمر 15 سنة عام 2003، وحُكم عليهم بالإعدام.
وتعود ذاكرة الناس أيضاً إلى جريمة اغتصاب طفلة في التاسعة من شمال قطاع غزة، قبل قتلها، عام 2004.
بالعودة إلى الجريمة الراهنة، فهي تشكل انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان، خصوصاً أن ضحيتها طفلة، يفترض أن تحظى بحماية خاصة في القانون الدولي لحقوق الإنسان، خصوصاً اتفاقية حقوق الطفل، التي تطالب الدول باتخاذ التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتعليمية الملائمة لحماية الطفل من أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو العقلية والإهمال أ أو الاستغلال بما في ذلك الإساءة الجنسية…
وتثير قضية اغتصاب الطفلة مسألة مهمة وهي قضية سفاح القربى أو “غشيان المحارم”، وضرورة مواجهتها. وسفاح القربى أو غشيان المحارم أو زنا المحارم تسميات لفعل واحد، هو أي علاقة جنسية كاملة محظورة بين شخصين تربطهما قرابة، طبقاً لمعايير ثقافية أو دينية، ينجم عنها الشعور بالفحشاء بحسب درجة القرابة ونوعها، ما يؤدي إلى اهتزاز معاني الأبوة والأمومة والبنوة والأخوة والعمومة، تلك المعاني التي تشكل الوعي الإنساني السليم والوجدان الصحيح.
وتأتي جريمة اغتصاب الطفلة في رفح في إطار سفاح القربى على أنها جريمة تقع في الممنوع الاجتماعي والجنائي بخاصة أنها ارتكبت بحق طفلة.
في تقرير للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان بعنوان “السفاح قتل الروح” باعتباره أحد أشكال العنف داخل العائلة، يعرف العنف الأسري بأنه أي تصرف يقوم به أحد أفراد الأسرة بحق فرد آخر بهدف إلحاق الألم أو الأذى الجسدي أو الجنسي أو أي شكل آخر من أشكال الألم والإساءة. ميزت العقوبات بين السفاح وجرائم جنسية أخرى كالاغتصاب والزنا، وذلك بناء على الأركان المشكلة للفعل الجرمي، واعتبرت أن السفاح هو من الجرائم التي تمس الأسرة، واشترطت لتحققه توافر ثلاثة أركان مجتمعة، وهي: الركن المادي المتمثل بتحقق الوطء، والركن المعنوي المتمثل بالإرادة الحرة، وركن القرابة.
يشكل السفاح أحد أقسى أشكال العنف الجنسي الممارس داخل نطاق الأسرة، كونه يمثل تعدياً على الحق في السلامة الجسدية للإناث، ويمثل تعارضاً مع الأخلاق والطبائع البشرية والقيم الإنسانية واستغلال السيطرة والمكانة الاجتماعية والقانونية وصلة القرابة بين الجاني والمجني عليها، واستغلالاً للعلاقات الأسرية والإشرافية على الإناث، وسيطرة أوصياء العائلة من الذكور على حياتهن.
في جريمة السفاح؛ اعتبر المشرع الرجل والمرأة شريكين متساويين في الإرادة الحرة المعبر عنها ببلوغ الفتاة سن التمييز، فإذا بلغت الفتاة سن التمييز تصبح إرادتها حرة ويعتد برضاها، وبناء على ذلك يعتبر المشرع أن المرأة التي تتعرض للاعتداء الجنسي من قبل أحد أقاربها أو أحد القائمين على رعايتها، ولم تكن إرادتها مشوبة بعيب الرضا (الاكراه) شريكة في الفعل على قدم المساواة مع الرجل، وتفرض عليهما العقوبة ذاتها.
هذا التشريع أغفل وضع النساء في ظل مجتمع تنظمه القيم البطريركية فيسيطر الكبير على الصغير والذكور على الإناث، والأب أو الأخ الأكبر على الأم وبقية أفراد العائلة الصغار، وتبرز سمات التهميش والاضطهاد بحق النساء والتحكم بمختلف جوانب حياتهن. انطلق حظر السفاح نتيجة اعتماده على عناصر نفسية تولدت كنتيجة للثقافة الاجتماعية الإنسانية المشتركة التي أوجدت الأسرة كأصغر وحدة اجتماعية.
ونظراً إلى خطورة الجريمة وحالة الخوف والرعب، وتشكيل رأي عام يطالب بإنزال أقسى عقوبة بالمتهم، وعادة ما تتشكل “عدالة الشارع” من دون أن تنتظر إجراءات تحقيق العدالة. وفي ظل حال الانقسام والتشكيك في جهاز التحقيق والعدالة، يبدو ملحاً تحسين أداء الجهات المختصة في التحقيق والتحري لضمان الوصول إلى الحقيقة. إضافة إلى تعزيز دور المؤسسات الرقابية لضمان تطبيق معايير المحاكمة العادلة وسرعة البت بالقضية الجنائية لطمأنة المجتمع، لما يشكله سفاح القربى من خطر على العائلة لا سيما الأطفال، إضافة إلى تأثير ذلك في المنظومة الاجتماعية العامة.
وفي ظل عدم تخصيص التشريعات الفلسطينية بخاصة قوانين العقوبات باباً خاصاً بالجرائم التي تمس الأسرة او أحد أفرادها، إذ إن الهدف من التشريعات تحقيق أغراض متكاملة وهي دعم السلم والتوفيق بين المصالح المتعارضة في المجتمع وتحقيق العدالة وحماية القيم والمصالح الاجتماعية والشعور بالعدالة وتحقيق الأمن والاستقرار في المجتمع.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية