عندما أعلنت سلطات الاحتلال رفع عدد تصاريح التجار الذين يستطيعون دخول إسرائيل والضفة الغربية من 7000 آلاف إلى 10000 تصريح تدافع الغزيون على مراكز الغرف التجارية للتسجيل والتقدم للحصول على تصاريح، وكان المواطنون من  الأعمار ما بين 26- 60 عاماً يشكلون كتلاً بشرية هائلة يتدافعون لتقديم الطلبات. ومع أن ما صدر من تصاريح جديدة لا يتجاوز 700 تصريح إلا أن عدد المتقدمين كان هائلاً وبلغ عشرات آلاف المواطنين. وقد حصلت خيبات أمل كبيرة لدى المواطنين بعد أن نشرت شائعات بأن الحديث عن تصاريح للعمال. والواقع أنها تصاريح للتجار مع أن غالبيتهم الساحقة يدخلون للعمل وليس للتجارة، ويضطرون لذلك ل فتح سجل تجاري ودفع مبالغ كبيرة من الأموال. وهذه الصورة تعكس الحاجة الماسة للعمل بالنظر لحجم البطالة الكبير في غزة والذي يصل إلى 53% من القوى العاملة. وبطبيعة الحال معدل الفقر هو الآخر مرتفع ويصل إلى 70%.


في الواقع يعاني القطاع من أوضاع مأساوية مدمرة قضت على مستقبل أكثر من جيل من الشباب. والأمر لا يقتصر على البطالة التي يعاني منها الشباب أكثر من غيرهم وهي منتشرة بشكل كبير بين الخريجين الذين غالبيتهم لا يجدون ما يعيلون به أنفسهم، وبعضهم يعمل في أعمال صعبة للغاية للحصول على شواكل لا تتعدى مصروف جيب لطفل. بل هي تطال مختلف مناحي الحياة حيث النقص الشديد في مياه الشرب ونسبة التلوث العالية ومشكلات الصرف الصحي وتسرب المياه العادمة للمياه الجوفية أو دفعها للبحر في أحيان كثيرة بدون معالجة، ما يلوث البحر ويسبب الأمراض التي قد تأتي أيضاً من المياه الجوفية الملوثة. بالاضافة للحصار وشح بعض المواد الحيوية.

ولو نظرنا لفئة الشباب تحديداً حجم المأساة، حيث أن نسبة عالية من الناجحين في التوجيهي ومن المتفوقين كذلك لا يجدون فرصة للالتحاق بالجامعات بسبب التكلفة العالية التي لا تستطيع عائلاتهم توفيرها. حنى أن بعض الطلبة لم يكملوا تعليمهم الجامعي بعد قضاء سنين في الجامعة  لعدم قدرتهم على تسديد الأقساط، وهناك قسم لا بأس به من الخريجين لم يحصلوا على شهادتهم لأنهم لم يسددوا ما تبقى من الأقساط.


وهناك بطبيعة الحال مشاكل بيئية مختلفة، ومشكلات للزراعة بسبب ملوحة المياه. وكذلك الأضرار التي تسببت بها الحروب من دمار وقتل واصابات ومواد ضارة تقذفها قنابل الاحتلال ومشاكل الاستيراد والتصدير. وفوق كل ذلك الشعور بأنك في سجن كبير لا تستطيع مغادرته بأي اتجاه بالنظر لصعوبة الحصول على تصريح وحتى صعوبة مغادرة القطاع عن طريق مصر.


كل هذه المآسي التي يعاني منها مليونان من المواطنين تؤدي عملياً لحالة ضياع ودمار لنفسيات الناس، وليس غريباً أن نجد نسبة عالية من حالات الطلاق والمشكلات الاجتماعية الصعبة بما في ذلك الخلافات التي تنجم عن أسباب اقتصادية، وهي أيضاً سبب جوهري للمخاطرة وركوب البحر للمجهول وتعريض الحياة للخطر. وهناك تقديرات تشير إلى أن أكثر من 40 ألف شاب فلسطيني هاجروا من قطاع غزة وبعضهم نجح في أخذ عائلته معه، ولكن الغالبية لم ينجحوا بسبب مشاكل الإقامات والهجرة في العالم. ولو دققنا في نوعية الشباب المهاجر لوجدنا أنهم الأكثر تأهيلاً، أي أن هجرتهم خسارة وطنية بمعنى الكلمة.


كل ما تقدم يدفعنا للتساؤل عن المسؤول عما آل إليه وضع قطاعنا المكلوم: هل هو الاحتلال الذي يفرض حصاراً ظالماً لا مثيل له على غزة، أم هي « حماس » والانقلاب أو الانقسام كما يسمونه واستئثارها بالسلطة وعدم حصولها على الشرعية وتسببها في فرض حصار على القطاع، أم هي السلطة التي لا تهتم كثيراً لمشكلات الناس وتقطع وتقلص رواتب أبنائها  ؟


في الحقيقة كل هؤلاء مسؤولون عما يجري لغزة. والفصائل الفلسطينية الرئيسة تتحمل المسؤولية أكثر من غيرها، كونها هي السبب في عدم التوصل إلى وحدة وطنية يمكنها أن تساهم في معالجة مشكلات القطاع الجوهرية، حتى لو كان الاحتلال يرغب في الابقاء على الانقسام وربما تغذيته كلما كانت هناك بوادر لحصول اتفاق وطني. ولكي ننتقل من تحميل المسؤولية للأطراف المسؤولة عن الأوضاع الكارثية إلى خطوة باتجاه الحل علينا أن نقر بأن توحيد شقي الوطن بات صعباً للغاية في ظل وجود مراكز قوى مستفيدة من الوضع القائم ولن تكون مستعدة للتخلي بسهولة عن امتيازاتها ومصالحها. وبالتالي يبدو أننا بحاجة لمعجزة لتغليب المصلحة الوطنية على كل ماعداها. ولكننا بحاجة أكثر إلى ثورة شعبية عارمة تقول : كفى لهذا الدمار والعبث والتخريب، فلا خلاص بدون الوحدة بين شقي الوطن ولا دولة ولا حقوق بدون ذلك.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد