سجل يوم 29/11/2012، حدثاً مشهوداً لفلسطين بتصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة بواقع 138 دولة ضد 9 دول فقط، لصالح قبول فلسطين والاعتراف بها دولة مراقب لدى الأمم المتحدة، وها هو شهر أيار يسجل شهادة جديدة من قبل أعلى مكانة رفيعة لدى المسيحيين، وذلك من خلال ما قام به قداسة البابا فرنسيس نحو فلسطين، فالتكريم الذي قدمه وأقره، ليس تكريماً للراهبتين الفلسطينيتين الراحلتين الأخت مريم بواردي حداد من عبلين في الجليل الأشم، والأخت سلطانة دانيل غطاس من القدس عاصمة فلسطين كانت ولا تزال وستبقى، ليس تكريماً من قداسته نحو الراهبتين وحسب، وهما الأوليان اللتان يتم تطويبهما من طرف الكنيسة الكاثوليكية خلال العصر الحديث، بل هو تكريم للشعب العربي الفلسطيني كله، سواء من هو مقيم على أرض وطنه في مناطق 48، أو من هو مقيم في مناطق 67، أو من هو مطرود ومشتت خارج فلسطين ولاجئ في المخيمات، لأن هذا الإعلان والموقف والقرار والحدث، حمل كما وصفه الأب إبراهيم الشوملي «معاني وطنية وسياسية ودينية وإنسانية بامتياز»، فهو تقدير ورد اعتبار وانحياز من طرف الحبر الأعظم لعدالة القضية الفلسطينية ولشعبها المعذب المصلوب، كما كان للفلسطيني الأول، رمز العذاب والصلب: السيد المسيح عليه السلام.
قرار تطويب الراهبتين الفلسطينيتين، ترافق مع مناسبتين أولاهما اعتراف الفاتيكان بدولة فلسطين وسجل بذلك أنه الدولة رقم 136 التي تعترف بدولة فلسطين، وأجرى كافة الإجراءات والمراسم التي تسجل وتؤكد اعتراف حاضرة الفاتيكان وقداسة البابا بدولة فلسطين للشعب الفلسطيني، فتوج الاعتراف بالتقديس للراهبتين اللتين عاشتا في فلسطين خدمة للكنيسة وللرعية الفلسطينية ورحلتا عن أرض فلسطين لتبقيا أبداً في باطن الأرض الفلسطينية، بلا رحيل أو تشتت ما يضفي عليها استمرارية القداسة التي وهبها الله للمكان عبر ولادة السيد المسيح على أرضها، وإسراء سيدنا محمد إليها ومعراجه منها وعنها، مخلفين ما تستحق من القداسة والتشريف، من المسجد الأقصى إلى قبة الصخرة، ومن كنيسة المهد في بيت لحم ، إلى كنيسة القيامة في القدس، وكنيسة البشارة في الناصرة، لتدلل وتؤكد التاريخ المشترك للمؤمنين على هذه الأرض من المسلمين والمسيحيين واليهود، حيث لا يستطيع طرف الادعاء أنها له وحده، فهي للمؤمنين إن صدقوا، وهي لهم إن تعاونوا، لا فضل لأحد على أحد إن تشاركوا، وأقروا أنهم شعب تعددي، لا أحد يستطيع إقصاء أحد أو تصفيته أو شطب وجوده منها وعليها.
وثانيهما أن هذا تم في شهر أيار وتصادف مع نكبة الشعب العربي الفلسطيني، بطرد نصفه خارج وطنه العام 1948 إلى مخيمات اللجوء والفقر والتشتت، ونصفه الآخر رازح تحت بطش الاحتلال والعنصرية والإقصاء، بعد استكمال حلقات المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي العام 1967، على عنق فلسطين، سالباً شعبها إرادته وحريته وحقه في الحياة.
اعتراف الفاتيكان، وتطويب الراهبتين الفلسطينيتين، خطوتان تراكميتان، تعيدان للشعب الفلسطيني مكانته وروحه، وتردان له ما يستحق من قبل أرفع مكانة روحية لدى المسيحيين، وستدفعان كنائس العالم الكاثوليكي وأتباعهم كي يتقدموا خطوات نحو الاقتراب من تفهم معاناة الشعب الفلسطيني المثلثة بالعنصرية والإقصاء في مناطق 48، والاحتلال والاستيطان في مناطق 67، والتشتت واللجوء لمن هم خارج فلسطين.
أداء الرئيس محمود عباس ، سيتم إنصافه فهو يدل كما هو شعبه قوي متماسك، على عدالة قضيته وحكمته في كسب المزيد من الأصدقاء والحصول على التأييد والدعم والتعاطف والتفهم من قبل المجتمع الدولي، ما دفع قداسة البابا ليطلق عليه «ملاك السلام» وهو وصف يمنح الشرف الكبير للشعب الفلسطيني من قبل الحبر الأعظم، ما سيترك إضافة نوعية على مسار النضال الوطني الفلسطيني، وسيختصر الزمن في تحقيق الانتصار الفلسطيني والهزيمة للمشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي.
لقاء الرئيس الفلسطيني مع رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينزي في روما على هامش احتفال التطويب والتقديس للراهبتين، كانت نتائجه السياسية على عكس مقدماته، فرئيس الحكومة الإيطالية معروف بانحيازه للمشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، ولكن اللقاء المثمر والاستماع لموقف الضحية، وحصوله على إجابات واقعية على أسئلته المعتمدة على التقارير الإسرائيلية، جعلته يتأثر.
نضال الفلسطينيين المثابر الهادئ والمتزن، وتمسكهم بحقوقهم المشروعة غير القابلة للتبديد أو التلاشي، وصمودهم على الأرض، أدى ويؤدي إلى زوال الغشاوة عن عيون المجتمع الدولي، وتبديد التضليل الصهيوني الإسرائيلي للأوروبيين وللأميركيين ويساعد على ذلك تطرف حكومات تل أبيب، ونتنياهو شخصياً مع جماعته من العنصريين الذين يزدادون شراسة وعنجهية، وتعرية في نفس الوقت، وحصيلة ذلك سيؤدي إلى تراجع وانحسار المشروع الاستعماري الإسرائيلي وتقدم وحضور وانتصار المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني.
h.faraneh@yahoo.com
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية