لم يقتصر رد الفعل على تصريحات سابقة لوزير الإعلام اللبناني، جورج قرداحي، على المملكة العربية السعودية، بل شمل دولاً خليجية ثلاثاً أخرى، هي كل من البحرين والإمارات والكويت، ولو اقتصر الأمر على البحرين، لقلنا، إن البحرين تعتبر عمليا دولة مرتبطة إلى حد كبير بالسعودية لأسباب اقتصادية، كذلك لو اقتصر الأمر على كل من البحرين والإمارات، لقلنا، إن هذه الدول الثلاث، تشكل تحالفاً خاصاً فيما بينها، حتى داخل مجلس التعاون الخليجي، وذلك حين شكلت مع مصر مربعاً وقف على خلاف مع قطر لعدة أعوام خلت، لكن أن تنضم الكويت إلى الدول الخليجية الثلاث في حملة استدعاء سفراء الدول الخليجية والطلب من سفراء لبنان لديها مغادرة البلاد، يدل على أن الأمر ليس سهلاً ولا بسيطاً.
استدعاء سفراء الدول العربية الخليجية الأربع، جاء بعد تصريحات نسبت لوزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي، اعتبر فيها أن التدخل السعودي في اليمن هو عدوان خارجي، وأن من حق الشعب اليمني (أي الحوثيين) الدفاع عن أنفسهم، ما لقي ترحيباً من حزب الله، في الوقت الذي أثار فيه السعودية فوراً، ومن ثم تبعتها كل من البحرين والإمارات والكويت.
وحقيقة الأمر أن الدول الخليجية، أي الكويت والإمارات والبحرين، لم تعتبر فقط استدعاء سفرائها تضامناً وحسب مع السعودية، بل عبرت الكويت بشكل خاص عن استيائها من تهريب المخدرات من لبنان إليها، كما حدث مع السعودية خلال العام الحالي بالذات، كذلك فقد عبرت كل من قطر وعمان عن استيائهما من تصريحات المسؤول اللبناني التي اعتبرتاها مسيئة للمملكة العربية السعودية.
بالنسبة للبنان فإن انفجار الخلاف بينه وبين دول الخليج، أخطر بكثير من كونه استياء دبلوماسياً، فالسعودية أعلنت عن وقف كل الواردات اللبنانية، فيما أشار وزير الخارجية اللبناني، إلى وجود ما بين نصف مليون إلى ثلاثة أرباع مليون لبناني يعملون في دول الخليج، وهذا له بعد اقتصادي بالغ الأثر والتأثير على الاقتصاد اللبناني الذي يمر أصلاً في ضائقة صعبة للغاية.
وفي معرض شرح الموقف أعلن أكثر من مسؤول لبناني أن تصريحات قرداحي لا تعبر عن موقف الحكومة اللبنانية، وأن تلك التصريحات كان أدلى بها الرجل قبل توليه مسؤولية الإعلام في الحكومة، وهو الإعلامي المعروف أصلاً من خلال محطة «أم بي سي» السعودية، من خلال عمله منذ أعوام طويلة في برنامج «من سيربح المليون»، ثم مؤخراً في برنامج «الصلح خير»، وهو معروف كإعلامي ترفيه ومن ثم إعلامي اجتماعي، ولم يقم يوماً بتقديم أو إعداد أي برنامج سياسي أو حتى ثقافي، لكن فيما يبدو أن «نجوميته» هي التي رشحته ليكون وزيراً في حكومة نجيب ميقاتي الحالية، ليجلب لها رصيداً شعبياً، وحتى لي فتح لها أبواب العلاقات الإقليمية.
لكن فيما يبدو أن أزمة الحكم داخل لبنان المتداخلة مع الأزمة الاقتصادية الطاحنة، والتي ظهرت في عدم القدرة على تشكيل الحكومة لمدة قياسية، شملت معظم العام الحالي، وذلك لأنه كما هو معروف أن رئاسة الحكومة تمثل «حصة» الطائفة السنية في لبنان، والتي يقودها منذ عقود الحريري، لذا لم تشهد الحكومة اللبنانية استقراراً نظراً لأن الحريري لم يرفع الراية لشراكة عون - حزب الله، وبالتالي، ما زال يقاوم دخول لبنان فعلياً القوس الشيعي الممتد من إيران إلى لبنان مروراً بالعراق وسورية، هذا من ناحية الشمال، أما من الجنوب، فتحاول إيران أن يشمل قوس نفوذها كلاً من اليمن حالياً، وربما لاحقاً عمان، حتى تكمل الحصار على السعودية، من ناحية الشرق، باستهداف كل من البحرين والكويت وحتى الإمارات، اعتماداً على الطوائف الشيعية في تلك الدول.
لذا فإن حجر قرداحي قد حرك المياه الراكدة، أو بمعنى أدق أخرج ما كان في الخفاء إلى العلن، لكن وحيث إنه من المستحيل أن يتم التوافق أو الاتفاق على حل يضع حداً لصراع داخلي مزمن، وله أبعاد إقليمية شديدة الاختلاف، فإن أبعد ما يمكن أن ينجم عن هذه المشكلة هو محاولة العودة إلى ما قبل تشكيل حكومة نجيب ميقاتي، والتي جاء تشكيلها في محاولة لتجاوز الحريري، وإطلاق يد تحالف عون - حزب الله في الاستمرار برهن لبنان لمصالح إيران الإقليمية، والاستمرار في تعطيل المساءلة حتى القضائية، فبعد أن تمت «ضبضبة» ملف اغتيال رفيق الحريري، وعدم الوصول للنظام السوري قضائياً، ها هم يقومون مرة أخرى «بضبضة» قضية التفجير في مرفأ بيروت، والتي تتجه فيها بعض أصابع الاتهام لحزب الله.
المهم أن لبنان الرسمي، أو كلاً من الرئيس والحكومة، لو كان متأكداً من أن اعتذار قرداحي أو حتى استقالته ستكون كافية لتهدئة العاصفة الخليجية التي انطلقت في وجهه فجأة، لأقدم عليها، لذا هو ما زال، نقصد الرئيس والحكومة يكتفيان بالقول إن قرداحي قد أطلق تلك التصريحات قبل أن يصبح وزيراً في الحكومة، وأن تصريحاته تلك لا تعكس موقف حكومة ميقاتي، وأبعد ما خرج من الأوساط الرسمية، هو أن استقالة قرداحي، هي أمر شخصي يعود له شخصياً.
أبعد الظن أن لبنان مقدم على أن يكون ساحة صراعات إقليمية، ربما ما يجعل هذا الاحتمال وارداً أو متصاعداً، هو أن ساحة المواجهة السابقة في سورية قد تلاشت تقريباً، فيما اليمن لم يحسم رغم مرور السنوات لأحد، وحقيقة أن الصراعات في كل من سورية واليمن قد اتخذت منحى طائفياً صريحاً، خاصاً بين سنة وشيعة المسلمين، فإن الصراع الدائر منذ سنوات في لبنان، خاصة حين يدور فقط حول الحكومة، بعد أن تركز فترة ما حول الرئيس المسيحي، ولا يتطرق حالياً لمؤسستي الرئاسة ومجلس الشعب الخاصين بطائفتي المسيحيين والشيعة، يعني أن الصراع بصورته الطائفية هو بين السنة والشيعة، وإذا كان حزب الله الطرف الداخلي حليف إيران، وهكذا فإن السعودية ومعها دول الخليج، وجدت في زلة قرداحي مناسبة لإطلاق النار على حكومة ميقاتي، التي جاءت بمجرد تشكيلها، لتحقق انتصاراً لحزب الله داخل لبنان.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد