أعاد قرار وزير جيش الاحتلال الاسرائيلي بتصنيف ستة من المؤسسات الحقوقية والتنموية الفلسطينية بالإرهاب، سؤال حول ماهيّة ودور مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني، سواء في عملية تنمية قدرة المجتمع على الصمود من خلال الخدمات الحيوية التي تقدمها للناس، أو دورها في النضال الوطني، سيّما في التصدّي القانوني لجرائم الاحتلال على صعيد الهيئات الحقوقية الدولية وشبكات الرأي العام الدولي؛ باعتبار ذلك مكوّن رئيسي من مكونات المقاومة الشعبية وتعزيز شبكة التضامن الدولي مع شعبنا وحقوقه وعدالة قضيته.

إن تسليط الضوء على هذه الحقيقة يعيد للأذهان الدور الحيوي الذي لعبته المؤسسات الأهلية على طول سنوات الكفاح ضد الاحتلال، وما وفرته هذه المؤسسات، حتى قبل إنشاء السلطة الوطنية، من خدمات حيوية في مجالات التعليم والصحة وقضايا المرأة والشباب والرياضة وغيرها من الخدمات التي شكلت بمجموعها ما يشبه دور "الحكومة الشعبية" في حينه، وبما يشمل أيضًا الدفاع عن قضايا حقوق الإنسان، والمعتقلين والمبعدين وسياسات مصادرة الأرض والمياه وهدم البيوت وغيرها من جرائم وانتهاكات وسياسات الاحتلال. فكما هو معلوم فإن العديد من المستشفيات والمراكز الصحية والجامعات والمؤسسات التعليمية والثقافية ومؤسسات الرعاية الاجتماعية المتنوعة، قامت بجهود تطوعية جوهرية وساهمت بشكل فاعل في حماية النسيج الاجتماعي والهوية الوطنية لشعبنا.

لقد شهدت علاقة السلطة الوطنية، ومنذ نشأتها، توتّرات مع مؤسسات العمل الأهلي، وصلت حد التعامل معها كخصم ومنافس أساسي، وقامت باتخاذ سلسلة من الإجراءات والقوانين التي تحدّ من قدرة هذه المؤسسات على القيام بواجبها الذي تأسّست من أجله، ذلك بهدف احتوائها ومحاولة الهيمنة عليها، دون اكتراث السلطة إلى مدى حاجتها لدور القطاع الأهلي المستقل في المساهمة بتنفيذ الخطط الوطنية العامة، على الأقل في المناطق التي يحظر الاحتلال عمل مؤسسات السلطة في " القدس المحتلة والمناطق المسماة (ج)، سيّما المهددة بالمصادرة وتوسيع الاستيطان"، والتي من المستحيل إنجازها أو تحقيق الحد الأدنى من النجاح دون تكاملها مع جهد ودور المؤسسات الأهلية، وتوسيع الحيّز العام لدورها وليس الاجتهاد المزمن في التضييق عليها.

إن الحاجة لتكامل الأدوار بين القطاعين الحكومي والأهلي، وتشجيع الطابع الجماهيري في مضمون وطبيعة الخدمات التي تقدّمها المؤسسات الأهلية، إنما يشكل حاجة موضوعية تفرضها طبيعة المرحلة التي تتداخل فيها مرحلة البناء الديمقراطي مع مهام استكمال التحرر الوطني، وما يحتاجه هذا التداخل من بلورة فلسفة حُكم قائمة على الحاضنة الشعبية التي ستظل تشكل رأس المال الأساسي لقدرة المجتمع الفلسطيني على الصمود ومواصلة دوره الكفاحي للخلاص من الاحتلال.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد