يدور جدل كبير حول التشاؤم والتفاؤل والتمييز والمساواة بين الناس في الشأن الخاص والعام في ساحتنا الفلسطينية، على أساس جهوي يختلف من منطقة إلى أخرى في الوطن الواحد والمؤسسة الواحدة إلى حد الاختلاف في الأهداف الكبرى والصغرى ومدى القدرة على تحقيقها. وتطل رؤية إقصائية برأسها محاولة تبرير نفسها بخصوصية الثقافة والعادات والتقاليد والمستوى الفكري والثقافي، وهي لا تعدو كونها نظرة نمطية من كل منا للآخر، وعلى جميع المستويات. وحديث أقل ما يقال عنه أن محزن في محاولة تبرير مواقفنا، التي في أغلبها لا تعدو كونها إسقاط لما يجول في خواطرنا من همومنا ومطالبنا الخاصة والعامة ومدى انطباق ذلك على الأفراد والجماعات خاصة وأن الحديث يدور حول حقوق الإنسان وانعكاس ذلك على رؤيتنا ونفسية كل واحد منا وتبريره الأخلاقي للتشاؤم والتفاؤل حول الواقع والمستقبل.
ووسط زحمة الجدل وغياب اليقين والوعي الكامل بفكرة حقوق الإنسان ومدى إيمان وقناعة كل منا بالفكرة وإيمانه العميق بها فكراُ وممارسة وسلوك راسخ، ينطلق من كون الحقوق تكاملية وغير قابلة للتجزئة، وتستند إلى منظومة القيم والأخلاق التي تحدد رؤيتنا وفكرة التشاؤم والتفاؤل داخل كل منا، وبالتالي فهي ليست رهن بمواقفنا أو مصالحنا الخاصة، ولا يجوز لي رقبتها في كل مناسبة بما يحقق مصلحة فئة منا على حساب الجماعة والمجتمع.
وإذا كانت غايتنا تعميم ثقافة حقوق الإنسان وإشاعة الحريات العامة والتطلع إلى مجتمع تحترم فيه تلك المبادئ وممارستها بشكل يثبت أننا مجتمع حر ويناضل من أجل الحرية ويسعى إلى الخروج من عقلية الإقصاء والتهميش والتمييز وصولاً إلى تقرير مصيره وإدارة شئونه بنفسه وبشراكة حقيقية قبل أن نفكر في إقامة سلطة، لأن إقامة سلطة لا تحترم وتحمي الحقوق ولا تحترم حقوق المواطنة التي تنطلق من مبدأ المساواة الكاملة بين بني البشر يعبر عن انفصام في الشخصية لدى شعب يسعى للحرية وهو تحت سلطة لا تحترم حرياته وحقوقه.
إن مسألة حقوق الإنسان في جوهرها هي قضية إنسانية وعالمية تحمي حقوق البشر لكونهم بشر، وهي ليست قضية المترفين ولا تخص عرق على حساب عرق أخر أو جماعة أخرى، ولكن الدول والشعوب عبر تاريخها منحت امتيازات من باب التمييز الإيجابي أو تحت ضغط الظروف كما هو الحال مع الأشخاص ذوي الإعاقة والنساء في المجتمعات النامية، ولسكان المناطق التي تتعرض لكوارث طبيعية أو حروب.
وبالنظر لما نعيشه في فلسطين من أوضاع مأساوية درامية وكارثية، تبرز الأسئلة حول فكرة التشاؤم والتفاؤل والروح التي يجب أن نتشبث بها من أجل ضمان الحفاظ على جذوة نضالنا من أن تخبو وتنطفاً. ان بث روح التفاؤل دائماً هي أمر واجب ولا غنى عنه للحفاظ على قدرتنا على الإستمرار في النضال، وربما يكتسب موضوع التفاؤل أهمية خاصة في ظل حالة الانقسام والحصار وحرب الشعارات والمناكفات المستمرة التي تدوس القيم كما تدوس حقوق الناس لتحقيق أهداف حزبية وفئوية وشخصية، ويصبح من الصعب في أحيان كثيرة الدفاع عن حقوق الإنسان، في ظل شراسة المختلفين والمتصارعين في تبرير افعالهم.
فالحروب التي يشنها الفلسطينيون على أنفسهم قاسية، وهم لا يدركون أنهم يعيقون من تقدمهم على صعيد الخلاص من الاحتلال إن لم نقل أنهم يعملون بوعي أو بدون إلى تكريس وتأبيد الاحتلال. فكيف لنا ونحن في هذه الدوامة أن نعيد بناء ما دمره الاحتلال، بل كيف لنا أن نرمم ما دمره الانقسام أيضاً من قيم نبيلة، في ظل حالة ضعف وإضعاف للبنى الاجتماعية المتهالكة والتشوهات الاقتصادية والثقافية الخطيرة التي ما كان لها أن تصل إلى هذا الحد لولا سيادة روح التشاؤم ولاسيما وسط الأجيال الشابة والناشئة.
يبقى الجدل قائم ولا يمتلك أي منا قدرة التنبؤ بأن الحال سيتغير للأفضل نحو تعزيز احترام حقوق الإنسان ووقف التدهور الخطير في الأوضاع الإنسانية وأوضاع حقوق الإنسان في ظل استمرار الانقسام بين الاطراف السياسية، الذي تجاوزها ليطال المجتمع ونخبه ومثقفيه مؤسساته والفاعلين والمدافعين عن حقوق الانسان، وغياب رؤية جامعة، وسط تكرّس روح التشاؤم. بعث الأمل وبث التفاؤل وهو سبيل الانتصار وحماية حقوق الانسان، والتمسك بالقيم بالرغم من صعوبة الظروف والمعوقات الكبيرة الموضوعي منها والذاتي يصبح واجباً ويتقدم على ما عداه من مهام وطنية ومجتمعية.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية