ما الذي لا يعرفه الفلسطينيون عن نفتالي بينيت، حتى يتفاجؤوا بترّهاته حول الحقوق الوطنية الفلسطينية؟ لو كان الأمر بيده، لأعلن منذ يومه الأول رئيساً للحكومة، ضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية، ولكنه اضعف من أن يتخذ موقفاً كهذا، يمكن أن يسعر الخلاف مع الإدارة الأميركية، التي يتحاشى الدخول معها في خلاف صريح، هذا عدا ان مثل هذا القرار، من شأنه أن يؤدي إلى قلب الطاولة فلسطينياً وعربياً ودولياً. معروفة مواقفه التي تنبع من التزام عقائدي بالمشروع الصهيوني التوسعي، وبأحقية إسرائيل فيما يسميه يهودا والسامرة، وتشجيع الاستيطان، وحماية الميليشيات الاستيطانية.
يصر بينيت على أنه لا يمكن أن يلتقي الرئيس محمود عباس ، وانه يرفض رفضاً قاطعاً، أي مفاوضات، أو تسوية على أساس رؤية الدولتين، لكنه يذهب إلى الحد الأقصى من العدمية، حين يقول إن دولة فلسطينية ستكون دولة إرهاب. المشكلة هي انه لا يتحدث كشخص أو زعيم عصابة، وإنما يتحدث كرئيس حكومة، ولا يجد من يقول له: من أين لك هذا. ليس لأحد من المتحالفين معه، أن يدعي بأنه وطني فلسطيني، أو أنه يسار ووسط، طالما انهم يصمتون أمام مواقف معلنة من هذا المستوى من الوقاحة، والأرجح أنهم منافقون حين يصرحون في الغرف المغلقة غير ما يظهرونه في العلن، والأنكى من ذلك، أن المجتمع الدولي يلوذ هو الآخر بالصمت عن مثل هذه التصريحات الخطيرة، التي تتعارض على نحو صريح مع مواقف حلفاء إسرائيل التاريخيين الذين لا يزالوا يعتقدون، عن حق، من أن قيام دولة فلسطينية هو الحل الأفضل لإسرائيل.
أعجبتني ردود الفعل الرسمية الفلسطينية، التي تنطلق من مبدأ الندية، فتعلن أن الدولة الفلسطينية ستقوم رغماً عنه، وان الفلسطينيين موجودون هنا منذ الأزل، لم يحتلوا ارض غيرهم، ولم يطردوا أحداً وانهم أصحاب الحق والأرض والتاريخ.
نفهم من هذه الردود، ان الموقف السياسي الرسمي الفلسطيني والسلوك على الأرض آخذ في التصعيد، نحو ممارسة المزيد من الندية المبنية على ثقة عميقة، تضع مراهناتها على حركة التاريخ، وليس على وهم الوصول إلى مفاوضات وتسوية على أساس قرارات الأمم المتحدة التي تحصر الصراع بالضفة و القدس .
غير أن هذه القراءة تستدعي انتظار المزيد من المواقف والسياسات المتحدية للاحتلال، خاصة وان ما يجري على الأرض، وما هو متوقع على الصعيد السياسي الإسرائيلي خلال وبعد مرحلة تحالف بينيت، لا يحمل للفلسطينيين وعوداً بما هو أفضل إلا عبر الكفاح الشامل.
والحال ان إسرائيل تخوض حرباً يومية شاملة على الأرض، والحقوق والوجود الفلسطيني، لمصادرة ما يسمونه يهودا والسامرة، فضلاً عن القدس.
لا يوجد تدخل أميركي أو دولي، يكبح جماح هذه الحرب المجنونة، وكل ما يفعله هؤلاء لا يزيد عن التعبير عن قلق، أو التحذير من تداعيات هذا السلوك أو الموقف أو ذاك.
لا ينبغي لفلسطيني يعرف القليل من السياسة، والحقائق ان يصدق بأن الولايات المتحدة يمكن أن تلعب دوراً حقيقياً فاعلاً ومثمراً من خلال ممارسة ضغط حقيقي، أو اتخاذ عقوبات بحق إسرائيل، كما تفعل بسهولة مع عديد الدول التي تقصر سياساتها على مجاراة سياسات الاحتلال الإسرائيلي والخطر على السلم الدولي الذي تمثله تلك السياسات، طالما أن هذا ما يميز السياسة الأميركية بعامة، وتواصل التأكيد العملي على ضمانها لأمن وتفوق إسرائيل، فمَن في هذا العالم يملك الإرادة الكافية لأن يعوض الانحياز الأميركي الشامل والدائم لإسرائيل؟
أوروبا الموحدة، أو المتفرقة تتلطى خلف الولايات المتحدة وتلوذ بعجزها، ولا تملك إلا حقن التخدير للفلسطينيين، وهي غير مستعدة للاعتراف والتراجع عن الأخطاء التاريخية التي ارتكبتها بحق الفلسطينيين، أما الأصدقاء التاريخيون للشعب الفلسطيني وحقوقه ونقصد روسيا والصين، فكل له حساباته وأجنداته التي لا تجد القضية الفلسطينية من أولوياتها، بل إن الأولى تتعاون مع إسرائيل أمنياً وعسكرياً، ومثال ذلك سورية، والثانية مهتمة بتوسيع علاقاتها التجارية والاقتصادية مع الدولة العبرية.
ومع ان عمليات التطبيع الجارية والمرتقبة بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، تكمل رسم مشهد مأساوي، إلا أن الآفاق ليست مغلقة بل إنها يوماً بعد الآخر، تشير إلى مزيد من الإنجازات الدولية لصالح فلسطين والقضية الفلسطينية.
حركة المقاطعة الفلسطينية لا تزال تواصل زحفها على الشركات الاسرائيلية والمتعاملين معها، ولا تزال تواصل نجاحاتها في إقناع العديد من المؤسسات الدولية، والأكاديميين والسياسيين والرموز الدينية والثقافية، بأن إسرائيل دولة فصل عنصري، وبصراحة فإن إسرائيل بأقوال زعمائها وأفعالها تقدم للفلسطينيين كل ما يمكن أن يساعدهم في إقناع الآخرين بطبيعة هذا الاحتلال العنصري. الأمثلة على ذلك، لا يمكن حصرها ببعض المسميات، فثمة اجتياح فلسطيني لأحزاب ومؤسسات وفعاليات أميركية وبريطانية وألمانية ودولية باتت تقتنع بسهولة بأن إسرائيل دولة "أبارتهايد" وفصل عنصري.
هذا والفلسطينيون منقسمون على أنفسهم، هذا وهم يعانون اشد المعاناة من فقر الدعم العربي، والدولي، فكيف لو أنهم تجاوزوا حالتهم المزرية وأعادوا بناء قوتهم؟ على كل حال الشعب يتكفل بالمواجهة وهو يقوم بسد الثغرات، ويخوض كفاحاً وصداماً قوياً مع الاحتلال الذي يمعن في توغله على الأقصى، وعلى الأرض والبشر، الضفة تعيش انتفاضة حقيقية، ليس بالضرورة أن تأخذ شكل وتكتيك الانتفاضات السابقة، لكنه يفعل ذلك في كل زاوية ومفترق، وعلى كل شبر من الأرض والمقدسات.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد